فنادى شمر في الناس: ويحكم؟ ما تنتظرون بالرجل اقتلوه ثكلتكم أمّكم! فحملوا عليه من كل جانب، فضرب زرعة بن شريك التميمي كفه الأيسر، وضرب عاتقه، وهو يقوم ويكبو، فحمل عليه في تلك الحال سنان بن أنس النخعيّ، فطعنه بالرمح، فوقع وقال لخولي بن يزيد الأصبحيّ: احتز رأسه، فأرعد وضعف، فنزل عليه، وذبحه، وأخذ رأسه، فدفعه إلى خولي، وسلب الحسين ما كان عليه حتى سراويله، ومال الناس، فانتهبوا ثقله ومتاعه، وما على النساء.
ووجد بالحسين: ثلاث وثلاثون طعنة، وأربع وأربعون ضربة، ونادى عمرو بن سعد في أصحابه: من ينتدب للحسين فيوطئه فرسه، فانتدى عشر فداسوا الحسين بخيولهم، حتى رضوا ظهره وصدره، وكان عدّة من قتل معه: اثنين وسبعين رجلا، ومن أصحاب عمرو بن سعد: ثمانية وثمانين رجلا غير الجرحى، ودفن أهل الغاضرية من بني أسد الحسين بعد قتله بيوم وبعد أن أخذ عمرو بن سعد رأسه، ورؤوس أصحابه وبعث بها إلى ابن زياد، فأحضر الرءوس بين يديه، وجعل ينكث بقضيب ثنايا الحسين، وزيد بن أرقم حاضر، وأقام ابن سعد بعد قتل الحسين يومين، ثم رحل إلى الكوفة، ومعه ثياب الحسين وإخوانه، ومن كان معه من الصبيان، وعليّ بن الحسين مريض، فأدخلهم على زياد، ولما مرّت زينب بالحسين صريعا صاحت: يا محمداه هذا حسين بالعراء! مزمل بالدماء! مقطع الأعضاء! يا محمد بناتك سبايا، وذريتك مقتلة فأبكت كل عدوّ وصديق، وطيف برأسه بالكوفة على خشبة، ثم أرسل بها إلى يزيد بن معاوية، وأرسل النساء والصبيان، وفي عنق عليّ بن الحسين ويديه الغل، وحملوا على الأقتاب، فدخل بعض بني أمة على يزيد، فقال: أبشر يا أمير المؤمنين، فقد أمكنك الله من عدوّ الله، وعدوّك قد قتل، ووجه برأسه إليك، فلم يلبث إلّا أياما حتى جيء برأس الحسين، فوضع بين يدي يزيد في طشت، فأمر الغلام فرفع الثوب الذي كان عليه، فحين رآه خمر وجهه بكمه كأنه شمّ منه رائحة، وقال: الحمد لله الذي كفانا المؤنة بغير مؤنة، كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأ الله، قالت ريّا حاضنة يزيد، فدنوت منه، فنظرت إليه وبه ردغ من حناء، والذي أذهب نفسه، وهو قادر على أن يغفر له، لقد رأيته يقرع ثناياه بقضيب في يده، ويقول أبياتا من شعر ابن الزبعري، ومكث الرأس مصلوبا بدمشق ثلاثة أيام، ثم أنزل في خزائن السلاح، حتى ولي سليمان بن عبد الملك الملك، فبعث إليه، فجيء به، وقد محل، وبقي عظما أبيض، فجعله في سفط، وطيبه وجعل عليه ثوبا، ودفنه في مقابر المسلمين.
فلما ولي عمر بن عبد العزيز بعث إلى خازن بيت السلاح أن وجه إليّ برأس الحسين ابن عليّ، فكتب إليه: إنّ سليمان أخذه وجعله في سفط، وصلى عليه، ودفنه، فلما دخلت