أبناء جنسه بعد التخوّل في الأموال والجنود من الفناء والبيود، فإذا مرتبته بعد معرفة أقسام العلوم العقلية والنقلية ليعرف منه كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبل.
(وأما واضع هذا الكتاب ومرتّبه) فاسمه أحمد بن عليّ بن عبد القادر بن محمد، ويعرف بالمقريزيّ رحمه الله تعالى ولد بالقاهرة المعزية من ديار مصر بعد سنة ستين وسبعمائة من سني الهجرة المحمدية، ورتبته من العلوم ما يدل عليه هذا الكتاب وغيره مما جمعه وألفه.
(وأما من أيّ علم هذا الكتاب) فإنه من علم الأخبار وبها عرفت شرائع الله تعالى التي شرعها، وحفظت سنن أنبيائه ورسله، ودوّن هداهم الذي يقتدى به من وفقه الله تعالى إلى عبادته، وهداه إلى طاعته، وحفظه من مخالفته، وبها نقلت أخبار من مضى من الملوك والفراعنة وكيف حل بهم سخط الله تعالى لما أتوا ما نهوا عنه، وبها اقتدر الخليقة من أبناء البشر على معرفة ما دوّنوه من العلوم والصنائع، وتأتي لهم على ما غاب عنهم من الأقطار الشاسعة، والأمصار النائية وغير ذلك مما لا ينكر فضله، ولكل أمّة من أمم العرب والعجم على تباين آرائهم واختلاف عقائدهم أخبار عندهم معروفة مشهورة ذائعة بينهم، ولكل مصر من الأمصار المعمورة حوادث قد مرّت به يعرفها علماء ذلك المصر في كل عصر ولو استقصيت ما صنف علماء العرب والعجم في ذلك لتجاوز حدّ الكثرة، وعجزت القدرة البشرية عن حصره.
(وأما أجزاء هذا الكتاب فإنها سبعة) : أولها: يشتمل على جمل من أخبار أرض مصر، وأحوال نيلها وخراجها وجبالها.
وثانيها: يشتمل على كثير من مدنها وأجناس أهلها.
وثالثها: يشتمل على أخبار فسطاط مصر ومن ملكها.
ورابعها: يشتمل على أخبار القاهرة وخلائقها وما كان لهم من الآثار.
وخامسها: يشتمل على ذكر ما أدركت عليه القاهرة وظواهرها من الأحوال.
وسادسها: يشتمل على ذكر قلعة الجبل وملوكها.
وسابعها: يشتمل على ذكر الأسباب التي نشأ عنها خراب إقليم مصر.
وقد تضمن كل جزء من هذه الأجزاء السبعة عدّة أقسام.
وأما أيّ أنحاء التعاليم التي قصدت في هذا الكتاب، فإني سلكت فيه ثلاثة أنحاء، وهي النقل من الكتب المصنفة في العلوم، والرواية عمن أدركت من شيخه العلم وجلة الناس، والمشاهدة لما عاينته ورأيته. فأما النقل من دواوين العلماء التي صنفوها في أنواع العلوم فإني أعزو كل نقل إلى الكتاب الذي نقلته منه لأخلص من عهدته، وأبرأ من جريرته فكثيرا ممن ضمني وإياه العصر، واشتمل علينا المصر صار لقلة إشرافه على العلوم وقصور