الإحسان، وأمر الخليفة بإحضار الخلع لحاجب الحجاب حسام الملك، وطوّق بطوق ذهب، وسيف ذهب، ومنطقة ذهب، ثم أمر بالخلع للشيخ أبي الحسن بن أبي أسامة باستمراره على ما بيده من كتابة الدست الشريف، وشرفه بالدخول إلى مجلس الخليفة، ثم استدعى الشيخ أبا البركات بن أبي الليث، وخلع عليه بدلة مذهبة، وكذلك أبو الرضى سالم ابن الشيخ أبي الحسن، وكذلك أبو المكارم أخوه، وأبو محمد أخوهما، ثم أبو الفضل بن الميدميّ، ووهبه دنانير كثيرة بحكم أنه الذي قرأ السجل، وخلع على الشيخ أبي الفضائل بن أبي الليث، صاحب دفتر المجلس، ثم استدعى عدي الملك سعيد بن عماد الضيف متولي أمور الضيافات، والرسل الواصلين إلى الحضرة من مجلس الأفضل، ولا يصل لعتبته أحد لا حاجب الحجاب، ولا غيره سوى عدي الملك هذا، فإنه كان يقف من داخل العتبة، وكانت هذه الخدمة في ذلك الوقت من أجل الخدم وأكبرها، ثم عادت من أهون الخدم، وأقلها، فعند ذلك قال القاضي أبو الفتح بن قادوس: يمدح الوزير المأمون عند مثوله بين يديه وقد زيد في نعوته:
قالوا أتاه النعت وهو السيد ال ... مأمون حقا والأجلّ الأشرف
ومغيث أمة أحمد ومجيرها ... ما زادنا شيئا على ما نعرف
قال: ولما استمرّ حسن نظر المأمون للدولة، وجميل أفعاله، بلغ الخليفة الآمر بأحكام الله، فشكره وأثنى عليه فقال له المأمون: ثمّ كلام يحتاج إلى خلوة، فقال الخليفة:
تكون في هذا الوقت، وأمر بخلوّ المجلس، فعند ذلك مثل بين يدي الخليفة، وقال له: يا مولانا امتثالنا الأمر صعب، ومخالفته أصعب، وما يتسع خلافه قدّام أمراء دولته، وهو في دست خلافته، ومنصب آبائه وأجداده، وما في قواي ما يرومه مني، ويكفيني هذا المقدار، وهيهات أن أقوم به والأمر كبير، فعند ذلك تغير الخليفة، وأقسم إن كان لي وزير غيرك، وهو في نفسي من أيام الأفضل، وهو مستمرّ على الاستعفاء، إلى أن بان له التغير في وجه الخليفة، وقال: ما اعتقدت أنك تخرج عن أمري، ولا تخالفني فقال له المؤمون عند ذلك:
لي شروط، وأنا أذكرها، فقال له: مهما شئت اشترط، فقال له: قد كنت بالأمس مع الأفضل وكان قد اجتهد في النعوت، وحل المنطقة، فلم أفعل فقال الخليفة: علمت ذلك في وقته، قال: وكان أولاده يكتبون إليه بما يعلمه مولاي من كوني قد خنته في المال والأهل، وما كان والله العظيم ذلك مني يوما قط، ثم مع ذلك معاداة الأهل جميعا والأجناد، وأرباب الطيالس، والأقلام، وهو يعطيني كل رقعة تصل إليه منهم، وما سمع كلام أحد منهم فيّ، فعند ذلك، قال له الخليفة: فإذا كان فعل الأفضل معك ما ذكرته إيش يكون فعلي أنا، فقال المأمون: يعرّفني المولى ما يأمر به، فأمتثله بشرط أن لا يكون عليه زائد، فأوّل ما ابتدأ به أن قال: أريد الأموال لا تجبى إلا بالقصر ولا تصل الكسوات من الطراز والثغور إلّا إليه، ولا تفرّق إلّا منه، وتكون أسمطة الأعياد فيه، ويوسع في رواتب