فتحها في باب التبانين اقتضى الحال بعد قتله إعادة دار العلم، فامتنع الوزير المأمون من إعادتها في موضعها، فأشار الثقة زمام القصور بهذا الموضع، فعمل دار العلم في شهر ربيع الأوّل سنة سبع عشرة وخمسمائة، وولاها لأبي محمد حسن بن أدم، واستخدم فيها مقرئين ولم تزل دار العلم عامر حتى زالت الدولة الفاطمية.
قال ابن عبد الظاهر: رأيت في بعض كتب الأملاك القديمة ما يدل على أنها قريبة من القصر النافعيّ، وكذا ذكر لي السيد الشريف الحلبيّ، أنها دار ابن أزدمر المجاورة لدار سكنى الآن، خلف فندق مسرور الكبير، وكذلك قال لي والدي رحمه الله، وقد بناها جمال الدين الإستادار الحلبيّ: دارا عظيمة غرم عليها مائة ألف، وأكثر من ذلك على ما ذكره، انتهى. وموضع دار العلم هذه دار كبيرة ذات زلاقة بجوار درب ابن عبد الظاهر قريبا من خان الخليلي، بخط الزراكشة العتيق.
موسم أوّل العام: قال ابن المأمون، وأسفرت غرّة سنة سبع عشرة، وخمسمائة، وبادر المستخدمون في الخزائن، وصناديق الإنفاق بحمل ما يحضر بين يدي الخليفة من عين، وورق من ضرب السنة المستجدّة، ورسم جميع من يختص به من إخوته، وجهاته، وقرابته، وأرباب الصنائع، والمستخدمات، وجميع الأستاذين العوالي والأدوان، وثنوا بحمل ما يختص بالأجلّ المأمون، وأولاده، وإخوته، واستأذنوا على تفرقة ما يختص بالأجلّ المأمون، وأولاده، والأصحاب والحواشي والأمراء، والضيوف، والأجناد، فأمروا بتفرقته، والذي اشتمل عليه المبلغ في هذه السنة نظير ما كان قبلها، وجلس المأمون باكرا على السماط بداره، وفرّقت الرسوم على أرباب الخدم والمميزين من جميع أصنافه على ما تضمنته الأوراق، وحضرت التعاشير، والتشريفات، وزي الموكب إلى الدار المأمونية، وتسلم كل من المستخدمين المدارج بأسماء من شرف بالحجبة، ومصفات العساكر، وترتيب الأسمطة، وأصمد كل منهم إلى شغله، وتوجه لخدمته، ثم ركب الخليفة، واستدعى الوزير المأمون، ثم خرج من باب الذهب، وقد نشرت مظلته، وخدمت الرهجية، ورتب الموكب والجنائب، ومصفات العساكر عن يمينه وشماله، وجميع تجار البلدين من الجوهريين والصيارف، والصاغة، والبزازين، وغيرهم قد زينوا الطريق بما تقتضيه تجارة كل منهم، ومعاشه لطلب البركة بنظر الخليفة.
وخرج من باب الفتوح، والعساكر فارسها وراجلها بتجملها وزيها، وأبواب حارات العبيد معلقة بالستور، ودخل من باب النصر والصدقات تعمّ المساكين، والرسوم تفرّق على المستقرّين إلى أن دخل من باب الذهب، فلقيه المقرئون بالقرآن الكريم في طول الدهاليز إلى أن دخل خزانة الكسوة الخاص، وغير ثياب الموكب بغيرها، وتوجه إلى تربة آبائه للترحيم على عادته، وبعد ذلك إلى ما رآه من قصوره على سبيل الراحة، وعبيت الأسمطة،