صدر المجلس إلى آخره على ما أمر به، ولم يعدم مما كان بالقصر غير الصواني الخاص، فجلس على مرتبته والأجلاء أولاده، واستدعى بالعوالي من الأمراء، والقاضي والداعي، والضيوف، فحضروا وشرّفوا بجلوسهم معه، وحصل من مسرّتهم بذلك ما بسطهم، ورفعوا اليسير مما حضر على سبيل الشرف، ثم انصرفوا وحضرت الطوائف، والرسل على طبقاتهم إلى أن حمل جميع ما كان بالدار بأسره، وانقضى حكم الفطور.
وعاد للتنفيذ في غيره، وضربت الطبول، والأبواق على أبواب القصور، والدار المأمونية، وأحضرت التغايير، وفرّقت على أربابها من الأجناد والمستخدمين، وخرجت أزمة العساكر فارسها وراجلها، وندب الحاجب الذي بيده الدعوة لترتيب صفوفها من باب القصر إلى المصلى، ثم حضر إلى الدار المأمونية الشيوخ المميزون، وجلس المأمون في مجلسه وأولاده بهيئة العيد وزينته، ورفعت الستور، وابتدأ المقرئون، وسلم متولي الباب والشيوخ، ولم يدخل المجلس غير كاتب الدست، ومتولي الحجبة، وبالغ كل منهما في زيه وملبوسه، وجروا على رسمهم في تقبيل الأرض وعتبة المجلس، ووصل إلى الدار المأمونية التجمل الخاص الذي برسم الخليفة جميعه، القصب الفضة والأعلام والمنجوقات، والعقبات والعماريات، ولواء الوزارة لركوب الخليفة بالمظلة بالطميم، والمراكيب الذهب المرصعة بالجواهر، وغير ذلك من التجملات.
وركب المأمون من داره وجميع التشاريف الخاص بين يديه، وخدمت الرهجية، ومن جملتهم الغربية وهي أبواق لطاف عجيبة غريبة الشكل تضرب كل وقت يركب فيه الخليفة ولا تضرب قدّام الوزير إلّا في المواسم خاصة وفي أيام الخلع عليه والأمراء مصطفون عن يمينه، وعن شماله، ويليهم إخوته وبعدهم أولاده، ودخل إلى الإيوان، وجلس على المرتبة المختصة به، وعن يمينه جميع الأجلاء والمميزون وقوف أمامه، ومن انحط عنهم من باب الملك إلى الإيوان قيام، ويخرج خاصة الدولة ريحان إلى المصلى بالفرش الخاص، وآلات الصلاة، وعلق المحراب بالشروب المذهبة، وفرش فيه ثلاث سجادات متراكبة، وأعلاها السجادة اللطيفة التي كانت عندهم معظمة، وهي قطعة من حصير ذكر أنها من جملة حصير:
لجعفر بن محمد الصادق عليهما السلام، يصلي عليها، وفرش الأرض جميعها بالحصر المحاريب، ثم علق على جانبي المنبر، وفرش جميع درجه، وجعل أعلاه المخادّ التي يجلس عليها الخليفة، وعلق اللواءان عليه، وقعد تحت القبة خاصة الدولة ريحان والقاضي وأطلق البخور.
ولم يفتح من أبوابه إلّا باب واحد، وهو الذي يدخل منه الخليفة، ويقعد الداعي في الدهليز ونقباء المؤمنين بين يديه، وكذلك الأمراء، والأشراف، والشيوخ، والشهود، ومن سواهم من أرباب الحرف ولا يمكن من الدخول إلّا من يعرفه الداعي، ويكون في ضمانه،