صافيا نقيا فيقوى فيه الروح الحيواني لهذا السبب، وتصح الأبدان ويكثر نشاط الحيوان وتنمو الأشياء وتزيد وتتوالد. وإذا طلبنا بأرض مصر مثل هذا الهواء لم نجده في وقت من السنة إلا في امشير وبرمهات وبرمودة وبشنس، عندما تكون الشمس في النصف الأخير من الدلو والحوت والحمل والثور. فإنا نجد بمصر في هذا الزمان أياما معتدلة نقية صافية لا يحس فيها بحرّ ظاهر، ولا برد ولا رطوبة ولا يبوسة، وتكون الشمس فيها نقية من الغيوم، والهواء ساكنا لا يتحرّك إلا أن يكون ذلك في برمودة وبشنس فإنه يحتاج إلى أن تهب ريح الشمال ليعتدل ببردها حرّ الشمس.
وفي هذا الزمان تكثر حركة الحيوان وسفاده وتحسن أصواته، وتورق الأشجار ويعقد الزهر، وتقوى القوة المولدة ويغلب كيموس الدم. وهذا الفصل في أرض مصر يتقدّم زمانه الطبيعيّ بمقدار ما ينقص عن آخره، وعلة ذلك قوّة حرارة هذه الأرض، وقد يعرض في أوّل هذا الفصل أيام شديدة البرود وذلك في أمشير إذا هبت ريح الشمال، وكانت الشمس غير نقية من الغيوم، وعلة ذلك دخول فصل الربيع في فصل الشتاء. فإذا هبت ريح الشمال برد ببردها الهواء، فأعادته بعد الاعتدال إلى البرد ولكثرة ما يصعد من الأرض في هذا الزمان من البخار الرطب يرطب الهواء، ويعود إلى حاله في فصل الشتاء، وربما برد الهواء من هبوب رياح أخر فإن ريح الجنوب التي هي أشدّ الرياح حرارة إذا هبت في هذا الزمان اكتسبت برودة من الأرض، والماء الذين قد بردّهما هواء الشتاء.
فإذا مرّت بشيء بردّته ببرودتها العرضية حتى إذا دام هبوبها أياما كثيرة متوالية عادت إلى حرارتها، وأسخنت الهواء، وأحدثت فيه يبسا. والدليل على أن برد رياح الجنوب التي تعرفها المصريون بالمريسي يتولد من برد مياه مصر، وأرضها لا بشيء طبيعي لها أنه لا يجتمع في الجوّ في أيام هبوبها الضباب الذي يجتمع من تحليل الحرارة للبخار الرطب بالنهار. وجمع البرودة له بالليل. فحرارة ريح الجنوب تفرّق البرودة عن جمعه، وتبدّده في الهواء، وإذا دام هبوب هذه الريح أسخنت الماء، والأرض وعادت إلى طبيعتها في الحرارة.
وإذا كان فصل الربيع يتقدّم زمانه الطبيعي، ويختلف هذا الاختلاف. والهواء في الأصل بمصر يختلف بكثرة استحالته، وما يرقى إليه من البخار فما ظنك بغيره من الفصول ولذلك كثرت فيه الرياح.
وأخر الأطباء فيه سقي الأدوية المسهلة إلى أن يستقرّ أمره في شمس الحمل مع الثور، ثم يدخل فصل الصيف في آخر بشنس «١» وبؤنة «٢» وأبيب «٣» وبعض مسرى «٤» . عند ما تكون الشمس في الجوزاء والسرطان والأسد وبعض السنبلة، فيشتدّ الحرّ واليبس في هذا الزمان وتجف الغلات وتنضج الثمار ويجتمع من أكلها في الأبدان كيموسات رديئة وإذا نزلت