ثم رفعت الستور، وجلس على المدورة والسماط من جرت العبادة به، وفرّقت الدنانير على المقرئين، والمنشدين والتحسارية والمنافقين، ومن هو معروف بكثرة الأكل، ونهبت قصور الخلافة، وفرّق من الأصناف ما جرت به العادة، وأرخيت الستور، وأحضر متولي خزانة الكسوة الخاص للخليفة: بدلة إلى أعلى السرير حسبما كان أمره، فلبسها وخلع الثياب التي كانت عليه على الوزير بعد ما بالغ في شكره، والثناء عليه، وتوجه إلى داره، فوصل إليه من الخليفة الصواني الخاص المكللة معبأة على ما كانت بين يديه، وغيرها من الموائد، وكذلك إلى أولاده وإخوته صينية صينية، ولكاتب الدست، ومتولي حجبة الباب مثل ذلك ويكبر الوزير بجلوسه في داره معلنا، وتسارع الناس على طبقاتهم بالعيد، والخلع وبما جرى في صعود المنبر، وحضر الشعراء، وأسنيت لهم الجوائز، وجرى الحال يومئذ في جلوس الخليفة، وفي السلام لجميع الشيوخ والقضاة والشهود والأمراء، والكتاب، ومقدّمي الركاب والمتصدّرين بالجوامع، والفقهاء، والقاهريين، والمصريين، واليهود برئيسهم، والنصارى ببطريقهم على ما جرت به عادتهم، وختم المقرئون، وقدمت الشعراء على طبقاتهم إلى آخرهم وجدّد لكل من الحاضرين سلامه، وانكفأ الخليفة إلى الباذهنج لأداء فريضة الصلاة والراحة بمقدار ما عبيت المائدة الخاص، واستحضر المأمون، وأولاده وإخوته على عادتهم، واستدعى من شرّف بحضور المائدة، وهم الشيخ أبو الحسن كاتب الدست، وأبو الرضى سالم ابنه، ومتولى حجبة الباب، وظهير الدين الكنانيّ على ما كان عليه الحال قبل الصيام، وانقضى حكم العيد.
وقال ابن الطوير: إذا قرب آخر العشر الآخر من شهر رمضان خرج الزي من أماكنه، على ما وصفنا في ركوب أوّل العام، ولكن فيه زيادات يأتي ذكرها، ويركب في مستهلّ شوّال بعد تمام شهر رمضان، وعدّته عندهم أبدا ثلاثون يوما، فإذا تهيأت الأمور من الخليفة، والوزير والأمراء، وأرباب الرتب على ما تقدّم، وصار الوزير بجماعته إلى باب القصر، ركب الخليفة بهيئة الخلافة من المظلة واليتيمة والآلات المقدّم ذكرها، ولباسه في هذا اليوم الثياب البياض الموشحة المحومة، وهي أجل لباسهم، والمظلة كذلك، فإنها أبدا تابعة لثيابه كيف كانت الثياب، ويكون خروجه من باب العيد إلى المصلى، والزيادة ظاهرة في هذا اليوم في العساكر، وقد انتظم القوم له صفين من باب القصر إلى باب المصلى، ويكون صاحب بيت المال قد تقدّم على الرسم، لفرش المصلى، فيفرش الطرّاحات على رسمها في المحراب مطابقة، ويعلق سترين يمنة ويسرة في الأيمن: البسملة والفاتحة، وسبح اسم ربك الأعلى، وفي الأيسر: مثل ذلك، وهل أتاك حديث الغاشية، ثم يركز في جانب المصلى لواءين مشدودين على رمحين ملبسين بأنابيب الفضة، وهما مستوران مرخيان، فيدخل الخليفة من شرقيّ المصلى إلى مكان يستريح فيه دقيقة، ثم يخرج محفوظا، كما يحفظ في جامع القاهرة، فيصير إلى المحراب، ويصلي صلاة العيد،