القاهرة إلى داره، فإذا مضى من رجب أربعة عشر يوما: ركب ليلة الخامس عشر كذلك، وفيه زيارة طلوعه بعد صلاته بجامع مصر إلى القرافة ليصلي في جامعها، والناس يجتمعون له لينظروه، ومن معه في كل مكان، ولا يملون من ذلك فإذا انقضت هذه الليلة: استدعى منه الشمع ليكمل بعضه، حتى يركب به في أوّل شعبان، ونصفه على الهيئة المذكورة والأسواق معمورة بالحلواء، ويتفرّغ الناس لذلك هذه الأربع الليالي.
منظرة للؤلؤة: وكان للخلفاء الفاطميين، منظرة تعرف: بقصر اللؤلؤة، وبمنظرة اللؤلؤة على الخليج بالقرب من باب القنطرة، وكان قصرا من أحسن القصور، وأعظمها زخرفة، وهو أحد منتزهات الدنيا المذكورة، فإنه كان يشرف من شرقيه على البستان الكافوريّ، ويطل من غربيه على الخليج، وكان غربيّ الخليج، إذ ذاك ليس فيه من المباني شيء، وإنما كان فيه بساتين عظيمة، وبركة تعرف ببطن البقرة، فيرى الجالس في قصر اللؤلؤة جميع أرض الطبالة «١» ، وسائر أرض اللوق «٢» ، وما هو من قبليها، ويرى بحر النيل من وراء البساتين.
قال ابن ميسر: هذه المنظرة بناها العزيز بالله، ولما ولي برجوان الحاكم بأمر الله بعد أمين الدولة بن عمار الكتاميّ: سكن بمنظرة اللؤلؤة في جمادى الأولى سنة ثمان وثمانين وثلثمائة، إلى أن قتل، وفي السادس والعشرين من ربيع الآخر سنة اثنتين وأربعمائة: أمر الحاكم بأمر الله بهدم اللؤلؤة، ونهبها، فهدمت، ونهبت وبيع ما فيها.
وقال المسبحيّ: وفي سادس عشري ربيع الآخر، يعني سنة اثنتين وأربعمائة: أمر الحاكم بأمر الله بهدم الموضع المعروف: باللؤلؤة على الخليج موازاة المقس، وأمر بنهب أنقاضه، فنهبت كلها، ثم قبض على من وجد عنده شيء من نهب أنقاض اللؤلؤة واعتقلوا.
وقال ابن المأمون: ولما وقع الاهتمام بسكن اللؤلؤة، والمقام فيها مدّة النيل على الحكم الأوّل يعني قبل وزارة أمير الجيوش بدر وابنه الأفضل، أمر بإزالة ما لم تكن العادة جارية به من مضايقها بالبناء، ولما بدت زيادة النيل، وعوّل الخليفة الآمر بأحكام الله على السكن باللؤلؤة أمر الأجلّ الوزير المأمون: بأخذ جماعة الفرّاشين الموقوفين برسم خدمتها بالمبيت بها على سبيل الحراسة لا على سبيل السكن بها، وعندما بلغ النيل: ستة عشر ذراعا أمر بإخراج الخيم.
وعندما قارب النيل الوفاء: تحوّل الخليفة في الليل من قصوره بجميع جهاته وإخوته،