بعضه: ألفان وأربعمائة دينار، واستعمل كسوة برسمه بمال جليل، وأنفق على العشاريات التي برسم النزه البحرية التي عدّتها ستة وثلاثون عشاريا بالتقدير بجميع آلاتها، وكساها وحلاها من مناطق، ورؤوس منجوقات، وأهلة وصفريات، وغير ذلك: أربعمائة ألف دينار.
وقال ابن الطوير: إذا أذن الله سبحانه وتعالى بزيادة النيل المبارك: طالع ابن أبي الردّاد بما استقرّ عليه أذرع القاع في اليوم الخامس والعشرين من بؤونة «١» ، وأرخه بما يوافقه من أيام الشهور العربيّ، فعلم ذلك من مطالعته وأخرجت إلى ديوان المكاتبات، فنزلت في السير المرتب بأصل القاع، والزيادة بعد ذلك في كل يوم، تؤرخ بيومه من الشهر العربيّ، ما وافقه من أيام الشهر القبطيّ لا يزال كذلك، وهو محافظ على كتمان ذلك لا يعلم به أحد قبل الخليفة، وبعده الوزير، فإذا انتهى في ذراع الوفاء، وهو السادس عشر إلى أن يبقى منه أصبع أو أصبعان وعلم ذلك من مطالعته.
أمر أن يحمل إلى المقياس في تلك الليلة من المطابخ: عشرة قناطير من الخبز السميذ وعشرة من الخراف المشوية، وعشرة من الجامات الحلواء، وعشر شمعات، ويؤمر بالمبيت في تلك الليلة بالمقياس فيحضر إليه قرّاء الحضرة، والمتصدّرون بالجوامع بالقاهرة ومصر، ومن يجري مجراهم، فيستعملون ذلك ويقدون الشمع عليهم من العشاء الآخرة، وهم يتلون القرآن برفق، ويطرّبون بمكان التطريب، فيختمون الختمة الشريفة ويكون هذا الاجتماع في جامع المقياس، فيوفي الماء ستة عشر ذراعا في تلك الليلة، ولوفاء النيل عندهم قدر عظيم، ويبتهجون به ابتهاجا زائدا، وذلك لأنه عمارة الديار، وبه التئام الخلق على فضل الله، فيحسن عند الخليفة موقعه، ويهتمّ بأمره اهتماما عظيما أكثر من كل المواسم، فإذا أصبح الصبح من هذا اليوم، وحضرت مطالعة ابن أبي الردّاد إليه بالوفاء، ركب إلى المقياس لتخليقه، فيستدعي الوزير على العادة، فيحضر إلى القصر، فيركب الخليفة بزيّ أيام الركوب من غير مظلة، ولا ما يجري مجراها بل في هيئة عظيمة من الثياب، والوزير تابعه في الجمع الهائل على ترتيب الموكب، ويخرج شاقا من باب زويلة، وسالكا الشارع إلى آخر الركن من بستان عباس المعروف اليوم: بسيف الإسلام، فيعطف سالكا على جامع ابن طولون، والجسر الأعظم بين الركنين إلى الساحل بمصر إلى الطريق المسلوكة على طرف الخشابين الشرقيّ على دار الفاضل إلى باب الصاغة بجوارها، وله دهليز مادّ بمصاطب مفروشة بالحصر العبدانيّ بسطا وتأزيرا، فيشقها والوزير تابعه، فيخرج منها منعطفا على الصناعة الأخرى، وكانت برسم المكس إلى السيوفيين، ثم على منازل العز التي هي اليوم مدرسة، ثم إلى دار الملك فيدخل من الباب المقابل لسلوكه، فيترجل الوزير عنده للدخول بين يديه