قال ابن عبد الظاهر: وأمّا التاج فكان حوله البساتين عدّة، وأعظم ما كان حوله: قبة الهواء، وبعدها الخمس وجوه التي هي باقية.
منظرة الخمس وجوه: كانت أيضا من مناظرهم التي يتنزهون فيها، وهي من إنشاء الأفضل بن أمير الجيوش وكان لها فرش معدّ لها، وبقي منها آثار بناء جليل على بئر متسعة، كان بها: خمسة أوجه من المحال الخشب التي تنقل الماء لسقي البستان، العظيم الوصف البديع الزيّ، البهيج الهيئة، والعامّة تقول التاج، والسبع وجوه إلى الآن وموضعها إلى وقتنا هذا من أعظم متفرّجات القاهرة، وينبت هناك في أيام النيل عندما يعمّ تلك الأراضي البشنين فتفتن رؤيته، وتبهج النفوس نضارته، وزينته، فإذا نضب ماء النيل، زرعت تلك البسطة قرطا، وكتانا يقصر الوصف عن تعداد حسنه، وأدركت حول الخمس وجوه: غروسا من نخل، وغيره تشبه أن تكون من بقايا البستان القديم، وقد تلاشت الآن، ثم إنّ السلطان الملك المؤيد شيخ المحموديّ الظاهريّ جدّد عمارة منظرة: فوق الخمس وجوه، ابتدأ بناءها في يوم الاثنين أوّل شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة.
منظرة باب الفتوح: وكان للخلفاء الفاطميين منظرة خارج باب الفتوح، وكان يومئذ خرج عن باب الفتوح براحا فيما بين الباب، وبين البساتين الجيوشية، وكانت هذه المنظرة معدّة لجلوس الخليفة فيها عند عرض العساكر، ووداعها إذا سارت في البرّ إلى البلاد الشامية.
قال ابن المأمون: وفي هذا الشهر يعني المحرّم سنة سبع عشرة وخمسمائة، وصلت رسل ظهير الدين طفدكين صاحب دمشق، وآق سنقر صاحب حلب، بكتب إلى الخليفة الآمر بأحكام الله، وإلى الوزير المأمون إلى القصر، فاستدعوا لتقبيل الأرض كما جرت العادة من إظهار التجمل، وكان مضمون الكتب بعد التصدير، والتعظيم، والسؤال، والضراعة أنّ الأخبار تظافرت بقلة الفرنج بالأعمال الفلسطينية، والثغور الساحلية، وأنّ الفرصة قد أمكنت فيهم، والله قد أذن بهلاكهم، وأنهم ينتظرون إنعام الدولة العلوية، وعوايد أفضالها، ويستنصرون بقوّتها، ويحثون على نصرة الإسلام، وقطع دابر الكفر وتجهيز العساكر المنصورة، والأساطيل المظفرة، والمساعدة على التوجه نحوهم لئلا يتواصل مددهم، وتعود إلى القوّة شوكتهم، فقوي العزم على النفقة في العساكر فارسها وراجلها، وتجريدها، وتقدّم إلى الأزمّة بإحضار الرجال الأقوياء، وابتدئ بالنفقة في الفرسان بين يدي الخليفة في قاعة الذهب، وأحضر الوزانون، وصناديق المال وأفرغت الأكياس على البساط، واستمرّ الحال بعد ذلك في الدار المأمونية.
وتردّد الرأي فيمن يتقدّم، فوقع الاتفاق على حسام الملك البرني، وأحضر مقدّم الأساطيل الثانية، لأن الأساطيل توجهت في الغزو وخلع عليه، وأمر بأن ينزل إلى الصناعتين