القطائف، جرار الجلاب برسمهم، فأكلوا، وملأوا أكمامهم، وفضل عنهم ما تخطفه الفرّاشون، ثم جلس الخليفة في السدلا التي كان بها عند الفطور، وبين يديه المائدة معبأة جميعها من جميع الحيوان وغيره، والقعبة «١» الكبيرة الخاص مملوءة أوساطه بالهمة المعروفة، وحضر الجلساء، واستعمل كل منهم ما اقتدر عليه، وأومأ الخليفة بأن يستعمل من القعبة، فيفرّق الفرّاشون عليهم أجمعين وكل من تناول شيئا قام، وقبل الأرض، وأخذ منه على سبيل البركة لأولاده، وأهله لأنّ ذلك كان مستفاضا عندهم غير معيب على فاعله، ثم قدّمت الصحون الصينيّ مملوءة قطائف، فأخذ منها الجماعة الكفاية.
وقام الخليفة، وجلس بالباذهنج، وبين يديه السحورات المطيبات من لبئين رطب ومخض، وعدّة أنواع عصارات وافطلوات وسويق ناعم، وجريش جميع ذلك بقلوبات وموز، ثم يكون بين يديه صينية ذهب مملوءة سفوفا، وحضر الجلساء، وأخذ كل منهم في تقبيل الأرض، والسؤال بما ينعم عليه منه، فتناوله المستخدمون، والأستاذون وفرّقوه، فأخذه القوم في أكمامهم، ثم سلم الجميع وانصرفوا.
ومنها الختم في آخر رمضان: وكان يعمل في التاسع والعشرين منه.
قال ابن المأمون: ولما كان التاسع والعشرون من شهر رمضان، خرج الأمر بأضعاف ما هو مستقرّ للمقرئين، والمؤذنين في كل ليلة برسم السحور بحكم أنها ليلة ختم الشهر، وحضر الأجل الوزير المأمون في آخر النهار إلى القصر للفطور مع الخليفة، والحضور على الأسمطة على العادة، وحضر إخوته، وعمومته، وجميع الجلساء، وحضر المقرئون، والمؤذنون، وسلموا على عادتهم وجلسوا تحت الروشن، وحمل من عند معظم الجهات، والسيدات والمميزات من أهل القصور ثلاجي «٢» ، وموكبيات مملوءة ملفوفة في عراضي «٣» ديبقيّ، وجعلها أمام المذكورين، لتشملها بركة ختم القرآن الكريم، واستفتح المقرئون من الحمد إلى خاتمة القرآن تلاوة وتطريبا، ثم وقف بعد ذلك من خطب، فأسمع ودعا، فأبلغ ورفع الفرّاشون ما أعدّوه برسم الجهات، ثم كبر المؤذنون، وهللوا وأخذوا في الصوفيات إلى أن نثر عليهم من الروشن دنانير، ودراهم ورباعيات، وقدّمت جفان القطائف على الرسم مع البسندود، والحلواء فجروا على عادتهم، وملأوا أكمامهم، ثم خرج أستاذ من باب الدار الجديدة، بخلع خلعها على الخطيب، وغيره ودراهم تفرّق على الطائفتين من المقرئين والمؤذنين.