وما برح لأهل مصر به اعتناء، وكان من رسوم الدولة الفاطمية فيه: تفرقة الجامات المملوءة من الحلاوات القاهرية، والتمارد التي فيها السمك، وقرابات الجلاب، وطيافير الزلابية، والبوري، فيشمل ذلك أرباب الدولة أصحاب السيوف، والأقلام بتقرير معلوم على ما ذكره ابن المأمون في تاريخه.
الغطاس: ومن مواسم النصارى بمصر عمل الغطاس في اليوم الحادي عشر من طوبة «١» .
قال المسعوديّ في مروج الذهب: ولليلة الغطاس بمصر شأن عظيم عند أهلها، لا ينام الناس فيها، وهي ليلة إحدى عشرة من طوبة ولقد حضرت سنة ثلاثين وثلثمائة ليلة الغطاس بمصر، والإخشيد محمد بن طفج في داره المعروفة بالمختار في الجزيرة الراكبة على النيل، والنيل مطيف بها، وقد أمر فأسرج من جانب الجزيرة، وجانب الفسطاط ألف مشعل غير ما أسرج أهل مصر من المشاعل والشمع، وقد حضر النيل في تلك الليلة: مئو ألوف من الناس من المسلمين والنصارى منهم: في الزواريق، ومنهم في الدور الدانية من النيل، ومنهم على الشطوط لا يتناكرون كل ما يمكنهم إظهاره من المآكل، والمشارب، وآلات الذهب والفضة، والجواهر والملاهي والعزف والقصف، وهي أحسن ليلة تكون بمصر، وأشملها سرورا، ولا تغلق فيها الدروب، ويغطس أكثرهم في النيل، ويزعمون أنّ ذلك أمان من المرض، ونشرة للداء.
وقال المسبحيّ: في سنة ثمان وثمانين وثلثمائة: كان غطاس النصارى، فضربت الخيام والمضارب، والأشرعة في عدّة مواضع على شاطىء النيل، فنصبت أسرّة للرئيس فهد ابن إبراهيم النصرانيّ كاتب الأستاذ برجوان، وأوقدت له الشموع والمشاعل، وحضر المغنون، والملهون، وجلس مع أهله يشرب إلى أن كان وقت الغطاس، فغطس وانصرف.
وقال: في سنة خمس عشرة وأربعمائة، وفي ليلة الأربعاء رابع ذي القعدة كان غطاس النصارى، فجرى الرسم من الناس في شراء الفواكه، والضأن وغيره، ونزل أمير المؤمنين الظاهر لإعزاز دين الله بن الحاكم لقصر جدّه العزيز بالله بمصر، لنظر الغطاس، ومعه الحرم، ونودي أن لا يختلط المسلمون مع النصارى عند نزولهم إلى البحر في الليل، وضرب بدر الدولة الخادم الأسود متولي الشرطتين خيمة عند الجسر، وجلس فيها، وأمر الخليفة الظاهر لإعزاز دين الله بأن توقد المشاعل والنار في الليل، فكان وقيدا كثيرا، وحضر الرهبان والقسوس بالصلبان، والنيران، فقسسوا هناك طويلا إلى أن غطسوا.
وقال ابن المأمون: إنه كان من رسوم الدولة أنه يفرّق على سائر أهل الدولة الترنج