للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمر صبيان الزرد بقتلهم، فقتلوا عن آخرهم، وكانوا عدّة من أعيان الأمراء، وأحاط بدورهم وأخذ سائر ما فيها، فاشتدّت المصيبة وعظمت الرزيّة، وتخوّف من بقي من الجند ونفروا منه، فإنّه كان جريئا مفسدا شديد الفحص عن أحوال الناس والاستقصاء لأخبارهم يريد إقلاب الدولة وتغييرها ليقدّم أوباشه، وأكثر من مصادرة الناس، وقتل قاضي القضاة أبا الثريّا نجم لأنه كان من خواصّ أبيه، وقتل جماعة من الأعيان، وردّ القضاء لابن ميسّر، وتفاقم أمره وعظم خطبه واشتدّت الوحشة بينه وبين الأمراء والأجناد، وهمّوا بخلع الحافظ ومحاربة ابنه حسن، وصاروا يدا واحدة، واجتمعوا بين القصرين وهم عشرة آلاف ما بين فارس وراجل، وسيّروا إلى الحافظ يشكون ما هم فيه من البلاء مع ابنه حسن ويطلبون منه أن يزيله من ولاية العهد، فعجز حسن عن مقاومتهم، فإنه لم يبق معه سوى الراجل من الطائفة الجيوشية ومن يقول بقولهم من الغزّ الغرباء، فتحيّر وخاف على نفسه، فالتجأ إلى القصر وصار إلى أبيه الحافظ، فما هو إلا أن تمكّن منه أبوه، فقبض عليه وقيّده وبعث إلى الأمراء يخبرهم بذلك، فأجمعوا على قتله، فردّ عليهم أنه قد صرفه عنهم ولا يمكّنه أبدا من التصرّف، ووعدهم بالزيادة في الأرزاق والإقطاعات وأن يكفّوا عن طلب قتله، فألحّوا في قتله وقالوا: إمّا نحن «١» وإمّا هو.

اشتدّ طلبهم إياه حتّى أحضروا الأحطاب والنيران ليحرقوا القصر، وبالغوا في التجرّؤ على الخليفة فلم يجد بدّا من إجابتهم إلى قتله، وسألهم أن يمهلوه ثلاثا، فأناخوا بين القصرين، وأقاموا على حالهم حتّى تنقضي الثلاث، فما وسع الحافظ إلا أن استدعى طبيبيه وهما أبو منصور اليهوديّ وابن قرقة «٢» النصرانيّ، وبدأ بأبي منصور وفاوضه في عمله سقية قاتله، فامتنع من ذلك وحلف بالتوراة أنه لا يعرف عمل شيء من ذلك، فتركه وأحضر ابن قرقة وكلّمه في هذا فقال: الساعة، ولا يتقطّع منها جسده، بل تفيض النفس لا غير. فأحضر السقية من يومه، فبعثها إلى حسن مع عدّة من الصقالبة، وما زالوا يكرهونه على شربها حتّى فعل، ومات في العشرين من جمادى الآخرة سنة تسع وعشرين وخمسمائة، فبعث الحافظ إلى القوم سرّا يقول: قد كان ما أردتم، فامضوا إلى دوركم؛ فقالوا: لا بدّ أن يشاهده منّا من نثق به، وندبوا منهم أميرا معروفا بالجرأة والشرّ يقال له المعظّم جلال الدين محمد، ويعرف بجلب راغب الآمري، فدخل إلى القصر وصار جنب حسن، فإذا به قد سجّي بثوب، فكشف عن وجهه وأخرج من وسطه آلة من حديد، وغرزه بها في عدّة مواضع من بدنه إلى أن تيقّن أنه قد مات، وعاد إلى القوم وأخبرهم، فتفرّقوا.

<<  <  ج: ص:  >  >>