واشتدّت الرغبة من الكافة في أولادهم على اختلاف الآراء في الإناث والذكور، فوقع التحاسد والتشاجر بين أهل الدولة إلى أن آل الأمر بسببهم وبأسباب أخر إلى خلع السلطان الملك العادل كتيفا من الملك، في صفر سنة ست وتسعين وستمائة.
فلما قام في السلطنة من بعده الملك المنصور حسام الدين لاجين، قبض على طرغاي مقدّم الأويراتية، وعلى جماعة من أكابرهم، وبعث بهم إلى الإسكندرية فسجنهم بها وقتلهم، وفرّق جميع الأويراتية على الأمراء، فاستخدموهم وجعلوهم من جندهم، فصار أهل الحسينية لذلك يوصفون بالحسن والجمال البارع، وأدركنا من ذلك طرفا جيدا، وكان للناس في نكاح نسائهم رغبة، ولآخرين شغف بأولادهم، ولله در الشيخ تقيّ الدين السروجيّ إذ يقول من أبيات:
يا ساعي الشوق الذي مذ جرى ... جرت دموعي فهي أعوانه
خذ لي جوابا عن كتابي الذي ... إلى الحسينية عنوانه
فهي كما قد قيل وادي الحمى ... وأهلها في الحسن غزلانه
أمشي قليلا وانعطف يسرة ... يلقاك درب طال بنيانه
واقصد بصدر الدرب ذاك الذي ... بحسنه تحسّن جيرانه
سلم وقل يخشى مسن أي مسن ... اشت حديثا طال كتمانه
وسل لي الوصل فإن قال بق ... فقل أوت قد طال هجرانه
وما برحوا يوصفون بالزعارة والشجاعة، وكان يقال لهم البدورة، فيقال البدر فلان، والبدر فلان، ويعانون لباس الفتوّة وحمل السلاح، ويؤثر منهم حكايات كثيرة وأخبار جمة، وكانت الحسينية قد أربت في عمارتها على سائر اخطاط مصر والقاهرة، حتى لقد قال لي ثقة ممن أدركت من الشيخة: أنّه يعرف الحسينية عامرة بالأسواق والدور، وسائر شوارعها كافة بازدحام الناس، ومن الباعة والمارة وأرباب المعايش، وأصحاب اللهو والملعوب، فيما بين الريدانية، محطة المحمل يوم خروج الحاج من القاهرة، وإلى باب الفتوح، لا يستطيع الإنسان أن يمرّ في هذا الشارع الطويل العريض طول هذه المسافة الكبيرة إلّا بمشقة من الزحام، كما كنا نعرف شاعر بين القصرين فيما أدركنا. وما زال أمر الحسينية متماسكا إلى أن كانت الحوادث والمحن منذ سنة ست وثمانمائة وما بعدها، فخربت حاراتها، ونقضت مبانيها، وبيع ما فيها من الأخشاب وغيرها، وباد أهلها، ثم حدث بها بعد سنة عشرين وثمانمائة آية من آيات الله تعالى، وذلك أنّ في أعوام بضع وستين وسبعمائة، بدا بناحية برج الزيات فيما بين المطرية وسر ياقوس فساد الأرضة التي من شأنها العبث في الكتب والثياب، فأكلت لشخص نحو ألف وخمسمائة قتة دريس، فكنّا لا نزال نتعجب من ذلك، ثم فشت هناك وشنع عبثها في سقوف الدور، وسرت حتى عاثت في أخشاب سقوف