للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال: ويحك، أو يفعل هذا؟

قال: نعم يا أمير المؤمنين.

قال: قل له يلقاني ههنا في غد.

ومضى الحاكم، فجاء أبو طاهر إلى ابن العدّاس وأعلمه بما جرى. فقال: ويحك قتلتني وقتلت نفسك. فقال: معاذ الله، أفنصبر لهذا الكلب الكافر على ما يفعل بالإسلام والمسلمين، ويتحكم فيهم من اللعب بالأموال، والله إن لم تسع في قتله ليسعين في قتلك، فلما كان في الليلة القابلة وقف عليّ بن عمر العدّاس للحاكم ووافقه على ما يحتاج إليه، فوعدوه بانجاز ما اتفقا عليه، وأمر بالكتمان وانصرف الحاكم. فلما أصبح ركب العداس إلى دار قائد القوّاد حسن بن جوهر القائد، فلقي عنده فهد بن إبراهيم، فقال له فهد: يا هذا، كم تؤذيني وتقدح فيّ عند سلطاني.

فقال العداس: والله ما يقدح ولا يؤذيني عند سلطاني ويسعى عليّ غيرك. فقال فهد:

سلط الله على من يؤذي صاحبه فينا، ويسعى به سيف هذا الإمام الحاكم بأمر الله.

فقال العدّاس: آمين وعجّل ذلك ولا تمهله.

فقتل فهد في ثامن جمادى الآخرة وضربت عنقه، وكان له منذ نظر في الرياسة خمس سنين وتسعة أشهر واثنى عشر يوما، وقتل العداس بعده بتسعة وعشرين يوما، واستجيب دعاء كل منهما في الآخر، وذهبا جميعا، ولا يظلم ربك أحدا.

وذلك أن الحاكم خلع على العداس في رابع عشره، وجعله مكان فهد، وخلع على ابنه محمد بن عليّ، فهناه الناس، واستمرّ إلى خامس عشري رجب منها، فضربت رقبة أبي طاهر محمود بن النحوي، وكان ينظر في أعمال الشام لكثرة ما رفع عليه من التجبر والعسف، ثم قتل العدّاس في سادس شعبان سنة ثلاث وتسعين وثلثمائة وأحرق بالنار.

خط البندقانيين: هذا الخط كان قديما إصطبل الجميزة، أحد إصطبلات الخلفاء الفاطميين، فلما زالت الدولة اختط وصارت فيه مساكن وسوق، من جملته عدّة دكاكين لعمل قسيّ البندق، فعرف الخط بالبندقانيين لذلك، ثم أنه احترق يوم الجمعة للنصف من صفر سنة إحدى وخمسين وسبعمائة والناس في صلاة الجمعة، فما قضى الناس الصلاة إلّا وقد عظم أمره، فركب إليه وإلى القاهرة والنيران قد ارتفع لهبها، واجتمع الناس، فلم يعرف من أين كان ابتداء الحريق، واتفق هبوب رياح عاصفة فحملت شرر النار إلى آمد بعيد، ووصلت أشعتها إلى أن رؤيت من القلعة، فركب الوزير منجك بمماليك الأمراء، وجمعت السقاءون لطفي النار فعجزوا عن اطفائها، واشتدّ الأمر فركب الأمير شيخو والأمير طاز

<<  <  ج: ص:  >  >>