أن يقيم بها نائبا عن المجلس الفخريّ، فلما أبى ذلك نزل عليها في يوم الجمعة تاسع عشري ذي القعدة وملكها في ساعة بالسيف، وقبض على ياسر وإخوته وولدي الداعي، فاحتوى على ما فيها وقبض على عبد النبيّ، واستولى أيضا على تعز وتفكر وصنعا وظفار وغيرها من مدن اليمن وحصونها، وتلقب بالملك المعظم، وخطب لنفسه بعد الخليفة العباسيّ، وما زال بها إلى سنة إحدى وسبعين فسار منها إلى لقاء أخيه صلاح الدين، ووصل إليه وملّكه دمشق في شهر ربيع الأوّل سنة اثنين وسبعين، فأقام بها إلى أن خرج السلطان صلاح الدين مرة من القاهرة إلى بلاد الشام فجهزه في ذي القعدة سنة أربع وسبعين إلى مصر، وكان قد عمله نائبا ببعلبك، فاستناب عنه فيها ودخل إلى القاهرة، وأنعم عليه صلاح الدين بالإسكندرية، فسار إليها وأقام بها إلى أن توفى في مستهل صفر سنة ست وسبعين وخمسمائة بالإسكندرية، فدفن بها، وكان كريما واسع العطاء، كثير الإنفاق، مات وعليه مائتا ألف دينار مصرية دينا، فقضاها عنه أخوه صلاح الدين، وكان سبب خروجه من اليمن أنه التاث بدنه بزبيد، فارتجل له سيف الدولة مبارك بن منقذ:
وإذا أراد الله سوءا بامرئ ... وأراد أن يحييه غير سعيد
أغراه بالترحال من مصر بلا ... سبب وأسكنه بصقع زبيد
فخرج من اليمن كما تقدّم.
وحكى الأديب الفاضل مهذب الدين أبو طالب محمد بن علي الحلي المعروف بابن الخيمي قال: رأيت في النوم المعظم شمس الدولة وقد مدحته وهو في القبر ميت، فلفّ كفنه ورماه إليّ وأنشدني:
لا تستقلنّ معروفا سمحت به ... ميتا وأمسيت عنه عاريا بدني
ولا تظننّ جودي شابه بخل ... من بعد بذلي بملك الشام واليمن
إني خرجت عن الدنيا وليس معي ... من كل ما ملكت كفي سوى كفني
وهذا الدرب من أعمر أخطاط القاهرة، به دار عباس الوزير وجماعة كما تراه إن شاء الله تعالى.
درب ملوخيا: هذا الدرب كان يعرف بحارة قائد القوّاد كما تقدم، وعرف الآن بدرب ملوخيا، وملوخيا كان صاحب ركاب الخليفة الحاكم بأمر الله، ويعرف بملوخيا الفرّاش، وقتله الحاكم وباشر قتله، وفي هذا الدرب مدرسة القاضي الفاضل، وقد اتصل به الآن الخراب.
درب السلسلة: هذا الدرب تجاه باب الزهومة، يعرف بالسلسلة التي كانت تمدّ كل ليلة بعد العشاء الآخرة كما تقدّم، وكان يعرف بدرب افتخار الدولة الأسعد، وعرف بسنان