وخاصة إذا أوردتها كتب الحديث الصحيحة، لأنها ثمرة جهود جبارة قدمها المحدثون عند تمحيص الحديث ونقده سندًا ومتنا، هذا النقد والتدقيق الذي حظي به الحديث لم تحظ به الكتب التاريخية، والمعلوم أن للمحدثين مناهج وطرقًا في نقد الأحاديث ومعرفة الصحيح من الضعيف من حيث التدقيق في عدالة الرواة الذين رووا الأحاديث أو أي حادثة من الحوادث التي يعتمدونها، ويشترطون في الرواة شروطا محددة لابد من توفرها حتى تثبت عدالة الرواة فتصح روايتهم.
وهذه الشروط لا تتوفر في مناهج المؤرخين في رواياتهم التاريخية فهم يتساهلون في تعاملهم مع الروايات التاريخية، ولذلك نجدهم يروون عن رواة لم تثبت عدالتهم عند المحدثين من أمثال الكلبي، وسيف بن عمر التميمي والواقدي وغيرهم من الضعفاء عند المحدثين.
لذلك فقد اعتمدت هذه الدراسة على أصح الروايات، ومصنفات الحديث تحتوي على ثروة كبيرة من الأحاديث الصحيحة تكوِّن عند قارئها صورة كاملة من سيرة النبي ﷺ، لذلك كنت أقدم الرواية الموجودة في كتب الحديث على الرواية الموجودة في كتب المغازي والسير وما في الصحيح أصح.
[ضرورة الإسناد في قبول الرواية التاريخية وخاصة في روايات السيرة النبوية]
الإسناد لا بد منه في كل أمر من أمور الدين، وعليه الاعتماد في الأحاديث النبوية وفي الأحكام الشرعية وفي المناقب والفضائل والمغازي والسير، وغير ذلك من أمور الدين المتين والشرع المبين، فشيء من هذه الأمور لا ينبغي عليه الاعتماد، ما لم يتأكد بالإسناد لا سيما بعد القرون المشهود لها بالخير.
والإسناد: -هو سلسلة الرواة إلى المتن، والمتن: ما ينتهى إليه من الكلام.
وقد شدد سلفنا الصالح رضوان الله عليهم، على ضرورة الإسناد، وأنه مطلوب في الدين، وأنه من خصائص أمة الإسلام.
أخرج مسلم في مقدمة صحيحه "١/ ٨٧" عن عبد الله بن المبارك قوله: "الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء".
وعن ابن المبارك أيضًا قال:"مثل الذي يطلب أمر دينه بلا إسناد كمثل الذي يرتقي السطح بلا سلم" ذكره الخطيب البغدادي في كتابه الكفاية ص "٣٩٣".