أن أقدم من أورد نص الوثيقة كاملًا هو محمَّد بن إسحاق لكنه أوردها دون إسناد، ونقلها عنه ابن كثير وابن سيد الناس، وقد ذكر البيهقي إسناد ابن إسحاق للوثيقة التي تحدد العلاقات بين المهاجرين والأنصار دون البنود التي تتعلق باليهود، لذلك لا يمكن الجزم بأنه أخذها من نفس الطريق أيضًا.
وقد ذكر ابن سيد الناس أن ابن أبي خيثمة أورد الكتاب (الوثيقة)، فأسنده بهذا الإسناد، وحدثنا أحمد بن خباب أبو الوليد، حدثنا عيسى بن يوسف، حدثنا كثير بن عبد الله بن عمرو المزني، عن أبيه عن جده أن رسول الله ﷺ كتب كتابًا بين المهاجرين والأنصار فذكر بنحوه -أي بنحو الكتاب الذي أورده ابن إسحاق، ولكن يبدو أن الوثيقة وردت في القسم المفقود من تاريخ ابن أبي خيثمة إذ لا وجود لها فيما وصل إلينا منه.
كذلك وردت الوثيقة في كتاب الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام بإسناد آخر هو حدثني يحيى بن عبد الله بن بكير، وعبد الله بن صالح، قالا: حدثنا الليث ابن سعد، قال: حدثنا عقيل بن خالد، عن ابن شهاب أنه قال: بلغني أن رسول الله ﷺ كتب هذا الكتاب ..) وسرده.
كما وردت الوثيقة في كتاب الأموال لابن زنجويه من طريق الزهريّ أيضًا.
هذه هي الطرق التي وردت منها الوثيقة بنصها الكامل، والتطابق الكبير بين سائر الروايات سوى بعض التقديم والتأخير في العبارات، أو اختلاف بعض المفردات، أو زيادة بنود قليلة، ولا يؤثر هذا الاختلاف على مضمونها العام.
[ب - مدى صحة الوثيقة]
اعتمد عدد من الباحثين المعاصرين على الوثيقة فبنوا عليها دراساتهم، في حين ذهب الأستاذ يوسف العش إلى أن الوثيقة موضوعة فهو يقول: إنها لم ترد في كتب الفقه والحديث الصحيح رغم أهميتها التشريعية، بل رواها ابن إسحاق بدون إسناد، ونقلها عنه ابن سيد الناس، وأضاف أن كثير بن عبد الله بن عمرو والمزني روى هذا الكتاب عن أبيه عن جده، وقد ذكر ابن حبان البستي: أن كثير المزني روى عن أبيه عن جده نسخة موضوعة لا يحل ذكرها في الكتب، ولا الرواية عنها إلا على جهة التعجب" ويرى العش أن ابن إسحاق اعتمد على رواية كثير لكنه تعمد حذف الإسناد.