للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النساء كثيرًا، وإن تسأل الجارية تصدقك، فدعا رسول الله بريرة فقال: (أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة؟).

قالت له بريرة: والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرًا قط أغمصه (١) عليها، أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن (٢) فتأكله، قالت: فقام رسول الله على المنبر فاستعذر (٣) من عبد الله بن أبي بن سلول.

قالت: فقال رسول الله وهو على المنبر: (يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرًا، ولقد ذكروا رجلًا ما علمت عليه إلا خيرًا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي) فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال: أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك.

[٤ - آثار فتنة الإفك]

قالت: فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج، وكان رجلًا صالحًا، ولكن اجتهلته الحمية، فقال لسعد بن معاذ: كذبت لعمر الله لا تفتله، ولا تقدر على قتله، فقام أسيد بن حضير، وهو ابن عم سعد بن معاذ، فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان الأوس والخزرج، حتى هموا أن يقتتلوا، ورسول الله قائم على المنبر، فلم يزل رسول الله يخفضهم حتى سكتوا، وسكت.

قالت وبكيت يومي ذلك، لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي، فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي، استأذنت علي امرأة من الأنصار فأذنت لها، فجلست تبكي، قالت: فبينما نحن على ذلك دخل رسول الله ، فسلم ثم جلس قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل.


(١) أغمصه: أعيبها به وأطعن فيها به.
(٢) الداجن: الشاة التي يعلفها الناس في منازلهم.
(٣) استعذر أي قال من يقوم بعذري إن كافأت على سوء صنيعه فلا يلومني.

<<  <   >  >>