ومع كل الاهتمام بمصادر الحديث ومصنفاته وما تحتويه من ثروة عظيمة من أحاديث السيرة فإنه لا ينبغي التقليل من دور كتب المغازي والسير، فإنها تلي القرآن الكريم والحديث الشريف، مما يعطيها قيمة علمية كبيرة، إن أوائل مصنفات السيرة قد كتب في عصر مبكر، الصحابة لا زال الكثير منهم على قيد الحياة، والصحابة على علم دقيق وواسع بالسيرة النبوية، لأنهم عاشوا أحداثها وشاركوا فيها، هذا التبكير في الكتابة قلل -إلى حد كبير- من احتمال تعرضها للتحريف أو المبالغة والتهويل أو الضياع.
فسيرة موسى بن عقبة الذي توفي في عام "١٤٠" هـ وهو محدث ثقة من تلاميذ الزهري أثنى الإمام مالك رحمه الله تعالى على كتابة السيرة النبوية واعتبره أصح كتاب في المغازي يقول ﵀"عليكم بمغازي الرجل الصالح موسى بن عقبة فإنها أصح المغازي"، "سير أعلام النبلاء: ٦/ ١١٥" ويقول أيضًا: "عليكم بمغازي موسى، فإنه رجل ثقة طلبها على كبر السنن، ليقيد من شهد مع رسول الله ﷺ، ولم يكثر كما أكثر غيره".
ويقول الذهبي ﵀ في سير أعلام النبلاء" ٦/ ١١٦": "وأما مغازي موسى بن عقبة، فهي في مجلد ليس بالكبير، سمعناها وغالبها صحيح، ومرسل جيد، لكنها مختصرة تحتاج إلى زيادة وتتمة".
وقال يحيى بن معين:"كتاب موسى بن عقبة عن الزهري أصح هذه الكتب" يعني في المغازي، انظر سير أعلام النبلاء "٦/ ١١٧".
إضافة إلى أهميتها التي ذكرنا، يضاف إليها ميزة أخرى، وهي أنها أوردت الكثير من الأحداث والروايات يتقدمها الأسانيد، ومعظم رواة السيرة هم من الرواة والمحدثين الذين نجد تراجم لهم في كتب الرجال، وأوضحت هذه الكتب أحوالهم، وبينت ما قيل فيهم من جرح وتعديل مما يسهل على الباحث معرفة قوة الرواية أو الحدث التاريخي أو ضعف هذا الحدث، ولذلك جاء اعتمادي على هذه الكتب في الدرجة الثانية، حين لا أجد الحدث التاريخي في كتب الحديث ومصنفاته.