جاء عن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال:"كان عبد الله بن طاهر إذا سألني عن حديث فذكرته له بلا إسناد، سألني عن إسناده وقال: رواية الحديث بلا إسناد من عمل الزمنى، فإن إسناد الحديث كرامة من الله تعالى لأمة محمد ﷺ" شرح المواهب اللدنية للزرقاني "٥/ ٤٥٣".
والإسناد فرض من فروض الكفاية التي لا بد منها كما يقول الشيخ علي القاري في شرحه على شرح النخبة "١٩٤": "أصل الإسناد خصيصة فاضلة من خصائص هذه الأمة، وسنة بالغة من السنن المؤكدة، بل من فروض الكفاية وطلب العلو فيه أمر مطلوب وشأن مرغوب".
وقد اهتمت كتب ومصنفات الحديث عظيم الاهتمام بالأسانيد واتصالها وعدالة رجالها، وجاءت مادة السيرة من مضمون هذه الكتب والمصنفات الحديثية بنفس الطرق والأسانيد الموثقة التي جاءت بها الأحكام الشرعية في الفقه والعبادات والمعاملات وغيرها من محتوى كتب الحديث.
إن أهمية الإسناد في نقل الروايات التاريخية وخاصة السيرة النبوية عظيمة، لا ينكرها إلا غر جاهل، فلولاه لما تميز الصادق المستقيم عن الأفاك الأثيم، وإذا كان الإسناد مجموعة من الرجال، والرجال يعتريهم الخطأ والنسيان والغلط، وأحيانا تعمد الكذب والاختلاق والتزوير والافتراء، فإن علم الجرح والتعديل قد عرض لكل ما يخطر في البال من هذه الأمور التي تتعلق بأحوال الرواة، والتي يمكن أن تقدح في صحة الرواية أو الإسناد، وكما وضع علماء الجرح والتعديل شروطا لصحة وعدالة الرواة في أسانيدهم، فقد وضعوا شروطا يسبرون من خلالها صحة المتون وعدم شذوذها، فقد يصح الإسناد إلا أن المتن يكون ضعيفا، فلا تعتبر الرواية، فنشأ من كل هذه الأمور ومجموعها ما يسمى بنقد المتن.
إن الإسناد الصحيح وموازينه الدقيقة يعتبر من المرتكزات الأساسية لتصحيح الخبر والرواية التاريخية، وليس هناك خبر جاء بإسناد صحيح غير معلول، لا يقبله أو يرفضه الواقع، اللهم إلا عقول أولئك الذين أغلقوها ووضعوا مفاتيحها في صناديق يملكها آخرون.