للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فتيممت منزلي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدوني فيرجعون إلي، فبينما أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكراني قد عرس (١) من وراء الجيش فأدلج (٢)، فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني، فعرفني حين رآني، وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب عليَّ، فاستيقظت باسترجاعه (٣) حين عرفني، فخمرت (٤) وجهي بجلبابي، والله ما يكلمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه، حتى أناخ راحلته فوطئ على يدها فركبتها، فانطلق يقول في الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحو الظهيرة (٥)، فهلك من هلك في شأني، وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي بن سلول.

[٢ - انتشار الإفك في المدينة]

فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمنا المدينة شهرًا، والناس يفيضون (٦) في قول أهل الإفك، ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني (٧) في وجعي أني لا أعرف من رسول الله اللطف (٨) الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل رسول الله فيسلم ثم يقول: كيف تيكم؟

فذاك يريبني، ولا أشعر بالشر حتى خرجت بعد ما نقهت (٩)، وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع (١٠) هو متبرزنا, ولا نخرج إلا ليلًا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف (١١) قريبًا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه (١٢)، وكنا


(١) عرس: التعريس هو نزول المسافر آخر الليل نزله للنوم والاستراحة.
(٢) أدلج: صار آخر الليل.
(٣) الاسترجاع: قوله إنا لله وإنا إليه راجعون.
(٤) خمرت: غطيت.
(٥) موغرين: النازل في وقت الوغرة وهو شدة الحر.
(٦) يفيضون: يخوضون.
(٧) يربيني: أوهمه وشكله.
(٨) اللطف: البر والرفق.
(٩) نقهت: برأت وافقت.
(١٠) المناصع: مواضع قضاء الحاجة.
(١١) الكنف: جمع كنيف المكان الساتر المعد لقضاء الحاجة.
(١٢) التنزه: البعد لقضاء لحاجة.

<<  <   >  >>