"مكث رسول الله ﷺ عشر سنين يتبع الناس في منازلهم بعكاظ ومجنة وفي الموسم بمنى يقول: من يؤويني، من ينصرني حتى أبلغ رسالة ربي وله الجنة، حتى إن الرجل ليخرج من اليمن أو من مصر كذا قال: فيأتيه قومه فيقولون: احذر غلام قريش، لا يفتنك، وهو يمشي بين رحالهم، وهم يشيرون إليه بالأصابع، حتى بعثنا الله من يثرب فآويناه، وصدقناه، فيخرج الرجل منا فيؤمن به، ويقرئه القرآن، فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه، حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رهط من المسلمين، يظهرون الإِسلام، ثم ائتمروا جميعًا.
فقلنا: حتى متى نترك رسول الله ﷺ يطرد في جبال مكة ويخاف. فرحل إليه سبعون رجلًا منا حتى قدموا عليه في الموسم، فواعدنا شعب العقبة، فاجتمعوا عندها من رجل ورجلين، حتى توافينا فقلنا: يا رسول الله على ما نبايعك؟ قال:(تبايعوني على السمع والطاعة في المنشط والكسل، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن تقولوا لله، لا تخافوا في الله لومة لائم، وعلى أن أن تنصروني فتمنعوني، إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة) قال: فقمنا إليه فبايعناه.
وأخذ بيده أسعد بن زرارة وهو أصغرهم فقال: رويدًا يا أهل يثرب، فإنا لم نضرب إليه أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله، وأن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة وقتل خياركم، وأن تعضكم السيوف، إما أنتم قوم تصبرون على ذلك وأجركم على الله وإما أنتم تخافون من أنفسكم خبيئة فتبينوا ذلك فهو أعذر لكم عند الله. قالوا: أمط عنا يا أسعد, فوالله لا ندع هذه البيعة أبدًا، ولا نسلبها أبدًا، فبايعناه فأخذ علينا، وشرط، ويعطينا على ذلك الجنة" (١).
(١) أخرجه أحمد: ٣/ ٣٩٤،٣٢٩،٣٢٢ والبيهقي في السنن: ٩/ ٩، من طريق ابن خيثم عن أبي الزبير ورجاله ثقات، ابن حبان: ١٦٨٦، الحاكم: ٢/ ٦٢٤ - ٦٢٥ وصححه ووافقه الذهبي، كشف الأستار عن زوائد البزار: ١٧٥٦ ورجاله رجال الصحيح، قال الحافظ في الفتح: ٧/ ٢٢٠ رواه أحمد بإسناد حسن وصححه الحاكم، وقال ابن كثير في السيرة: ٢/ ١٩٦، هذا إسناد جيد على شرط مسلم، وانظر المطالب العالية باخصار: ٤٢٩٠، وقال رواه أبو بكر بن أبي شيبة وهو صحيح، وأبو يعلى وقال الهيثمي في المجمع: ٦/ ٤٦ رواه أحمد والبزار ورجال أحمد رجال الصحيح، واللفظ لأحمد.