لقد ذهب الأستاذ العش إلى ذلك لأنه تصور أن الوثيقة لم يروها غير ابن إسحاق، ولم يعبر على إسناد لها سوى ما ذكر ابن سيد الناس من رواية ابن أبي خيثمة لها من طريق كثير المزني.
لكن أبا عبيد القاسم بن سلام أورد الوثيقة من طريق الزهريّ وهي طريق مستقلة لا صلة لها بكثير المزني. ونظرًا لكون ابن إسحاق من أبرز تلاميذ الزهريّ، فإن ثمة احتمال لأن يكون أورد الوثيقة من طريقه، لولا أن البيهقي ذكر إسناد ابن إسحاق للوثيقة التي تحدد العلاقات بين المهاجرين والأنصار دون أن تتناول البنود المتعلقة بيهود، ولا يمكن الجزم بأن ابن إسحاق أخذ البنود المتعلقة بيهود من هذه الطريق أو من طريق أخرى.
قال البيهقي:"أخبرني أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو العباس محمَّد بن يعقوب، حدثنا أحمد بن عبد الجبار، حدثنا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، قال: حدثني عثمان بن محمَّد بن المغيرة بن الأخنس بن شريق قال: أخذت من آل عمر بن الخطاب هذا الكتاب كان مقرونا بكتاب الصدقة".
والحديث بهذا الإسناد ضعيف؛ لأن عثمان تحملها وجادة، وفي الإسناد رجال فيهم ضعف مثل عثمان، فهو صدوق له أوهام، ويونس بن بكير يخطئ، والعطار ضعيف وتحمله للسيرة صحيح، فالرواية على ضعفها صالحة للاعتبار وقد توبعت وأن هذا النص يهدم الأساس الذي بنى عليه الأستاذ العش رأيه. كما أنه لا يمكن الحكم على الوثيقة بأنها موضوعة لأن كتب الحديث لم ترو نصًّا كاملًا!! فقد أوردت كتب الحديث مقتطفات كثيرة منها تغطي عددًا كبيرًا من بنودها.
وبذلك يتبين أن الحكم بوضع الوثيقة مجازفة، ولكن الوثيقة لا ترقى بمجموعها إلى مرتبة الأحاديث الصحيحة. فابن إسحاق في سيرته رواها دون إسناد مما يجعل روايته ضعيفه، وأوردها البيهقي من طريق ابن إسحاق أيضًا بإسناد فيه سعد بن المنذر وهو مقبول فقط، وابن أبي خيثمة أوردها من طريق كثير بن عبد الله المزني وهو يروي الموضوعات وأبو عبيد القاسم بن سلام رواها بإسناد منقطع يقف عند الزهريّ، وهو من صغار التابعين فلا يحتج بمراسيله".
ولكن نصوصًا من الوثيقة وردت في كتب الأحاديث بأسانيد متصلة وبعضها أوردها البخاري ومسلم، فهذه النصوص هي من الحديث الصحيح وقد احتج بها