للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثالث: أنهم بايعوه على الصبر، وقد جاء هذا من حديث ابن عمر.

٥٠٦ - من حديث ابن عمر قال: "رجعنا من العام المقبل، فما اجتمع منا اثنان على الشجرة التي بايعنا تحتها" كانت رحمة من الله فسألنا نافعًا: على أي شيء بايعهم؟ على الموت؟ قال: لا، بل بايعهم على الصبر" (١).

وفي التوفيق بين هذه الأقوال الثلاثة أسوق قولين للإمام النووي وابن حجر العسقلاني رحمهما الله تعالى وبين يدي قوليهما أقول: "إن رسول الله تكررت منه البيعة للصحابة رضوان الله عليهم في مواطن عديدة كان هذا الموطن من بينها، فتارة كان يبايع الصحابة على الجهاد كما حصل يوم الخندق، وتارة على الإِسلام والجهاد كما حصل مع مجاشع بن مسعود يوم فتح مكة، وتارة على النصح لكل مسلم كما حصل مع جرير بن عبد الله البجلي، وتارة على عدم الفرار، وعلى الموت، وعلى الصبر كما حصل يوم الحديبية فقد بايع قسمًا من الصحابة على عدم الفرار، والآخرون على الموت، وقسم على الصبر".

يقول الإِمام النووي رحمه الله تعالى: "قوله في رواية جابر ومعقل بن يسار بايعناه يوم الحديبية على أن لا نفر، ولم نبايعه على الموت.

وفي رواية سلمة: أنهم بايعوه يومئذ على الموت، وهو معنى رواية عبد الله بن زيد بن عاصم، وفي رواية مجاشع بن مسعود: البيعة على الهجرة والبيعة على الإِسلام والجهاد، وفي حديث ابن عمر وعبادة بايعنا على السمع والطاعة، وأن لا ننازع الأمر أهله، وفي رواية ابن عمر في غير صحيح مسلم: البيعة على الصبر.

قال العلماء: هذه الرواية تجمع المعاني كلها، وتبين مقصود كل الروايات، فالبيعة على أن لا تفر معناه الصبر حتى نظفر بعدونا أو نقتل، وهو معنى البيعة على الموت، أي نصبر وإن آل بنا ذلك إلى الموت، لا إن الموت مقصود في نفسه، وكذا البيعة على الجهاد أي والصبر فيه والله أعلم" (٢).


(١) أخرجه البخاري في الجهاد باب البيعة في الحرب أن لا يفروا، وقال بعضهم على الموت حديث رقم: ٢٩٥٨.
(٢) شرح صحيح مسلم للنووي: ١٣/ ٢ - ٣.

<<  <   >  >>