للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لكمة شديدة، وقال: ما لك ولهذا؟ أقبل قِبَلَ عملك. فقلت: لا شيء، إنما سمعت خبرًا فأحببت أن أعلمه. فلمَّا أمسيت، وكان عندي شيءٌ من طعام، فحملته وذهبت به إلى رسول الله ، وهو بِقُباء، فقلت: إنه قد بلغني أنك رجل صالح، وأن معك أصحابًا لك غرباء، وقد كان عندي شيء للصدقة، فرأيتكم أحقَّ مَنْ بهذه البلاد (به) فها هو ذا فكل منه. فأمسك رسول الله، بيده، وقال: لأصحابه: كُلوا، ولم يأكل. فقلت في نفسي هذه خلة مما وصَفَ لي صاحبي.

ثم رجعت، وتحوَّل رسولُ الله ، إلى المدينة فجمعت شيئًا كان عندي ثم جئته به، فقلت: إن قد رأيتك لا تأكل الصدقة، وهذه هدية وكرامة ليست بالصدقة. فأكل رسول الله - صلى الله عليه وسول-، وأكل أصحابه. فقلت: هذه خلتان.

ثم جئت رسول الله وهو يتبع جنازة وعلي شملتان لي وهو فى أصحابه، فاستدرت به لأنظر إلى الخاتم في ظهره، فلما رآني رسول الله ، اسْتَدْبَرْتُه عَرَفَ أني أسْتَتْبِتُ شيئًا قد وُصف لي، فوضع رداءَه عن ظهره، فنظرت إلى الخاتم بين كتفيه كما وصف لي صاحبي فأكْبَبْتُ عليه أقبله وأبكي. فقال: تحوَّل يا سلمان هكذا. فتحولت فجلست بين يديه. وأحب أن يُسْمِع أصحَابه حديثي عنه. فحدَّثته يا ابن عباس كما حدَّثتك. فلما فرغت قال رسول الله : كاتب يا سلمان. فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أحييها، وأربعين أوقية. وأعانني أصحاب رسول الله ، بالنخل: ثلاثين وَدِيَّة (١). وعشرين وَديَّة، وَعَشْرٍ، كل رجل منهم على قدر ما عنده. فقال لي رسول الله : فقِّرْ لها (٢) فإذا فرغت فآذني حتى أكون الذي أضعها بيدي.

ففقرتها وأعانني أصحابي -يقول حَفَرْتُ لها حيث توضع- حتى فرغنا منها. ثم جئت رسول الله ، فقلت: يا رسول الله، قد فرغنا منها فخرج معي حتى جاءَها، وكنا نحمل إليه الوَديَّ، ويضعه بيده، ويُسَوَّي عليها. فوالذي بعثه بالحق ما ماتت منها وَدِيَّة واحدةٌ. وبقيت عليَّ الدراهم. فأتاه رجل من بعض المعادن بمثل البَيْضة من الذهب، فقال رسول الله : أين الفارس المسلم المكَاتب؟ فَدعِيتُ له، فقال: خذ هذه يا سلمان، فأدها مما عليك. فقلت: يا


(١) الودية: النخلة الصغيرة.
(٢) فقر لها: أي أحفر.

<<  <   >  >>