يخشى الدخول في الإسلام، والوصول إلى المدينة من ذلك كما وقع لخالد بن الوليد وعمرو بن العاص وغيرهما، ثم تبعت الأسباب بعضها بعضًا إلى أن كمل الفتح.
وقد ذكر ابن إسحاق في المغازي عن الزهريّ قال: لم يكن في الإِسلام فتح قبل فتح الحديبية أعظم منه، إنما كان الكفر حيث القتال، فلما أمن الناس كلهم، كلم بعضهم بعضًا، وتفاوضوا في الحديث والمنازعة، ولم يكن أحد في الإِسلام يعقل شيئًا إلا بادر إلى الدخول فيه، فلقد دخل في تلك السنتين مثل من كان دخل في الإِسلام قبل ذلك أو أكثر.
قال ابن هشام: ويدل عليه أنه ﷺ خرج في الحديبية في ألف وأربعمائة، ثم خرج بعد سنتين إلى فتح مكة في عشرة آلاف" انتهى.
وهذه الآية نزلت منصرفه ﵇ من الحديبية، وأما قوله تعالى في هذه السورة: ﴿وأثابهم فتحًا قربيًا﴾، فالمراد بها فتح خيبر على الصحيح؛ لأنها هي التي وقعت فيها المغانم الكثيرة للمسلمين.
وقد روى أحمد وأبو داود والحاكم من حديث مجمع بن حارثة قال: شهدنا الحديبية، فلما انصرفنا وجدنا رسول الله ﷺ واقفًا عند كراع الغميم، وقد جمع الناس قرأ عليهم: ﴿إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا﴾ الآية فقال رجل: يا رسول الله أوفتح هو؟ قال:(أي والذي نفسي بيده إنه لفتح). ثم قسمت خيبر على أهل الحديبية.
وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن الشعبي في قوله: ﴿إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا﴾ قال: صلح الحديبية، وغفر له ما تقدم وما تأخر، وتبايعوا بيعة الرضوان، وأطعموا نخيل خيبر، وظهرت الروم على فارس، وفرح المسلمون بنصر الله.
أما قوله تعالى: ﴿فجعل من دون ذلك فتحًا قريبًا﴾ فالمراد الحديبية، وأما قوله: ﴿إذا جاء نصر الله والفتح﴾ وقوله: (لا هجرة بعد الفتح)، فالمراد بها فتح مكة باتفاق، فبهذا يرتفع الإشكال وتجتمع الأقوال. بعون الله تعالى" (١).
(١) فتح الباري: ٧/ ٤٤٢، في التعليق على حديث البراء رقم: ٤١٥٠.