معهما إلى كسرى، وقال لبابويه: ائت بلد هذا الرجل، وكلمه، وائتني بخبره، فخرجا حتى قدما الطائف فوجدا رجالًا من قريش بجنب من أرض الطائف، فسألاهم عنه، فقالوا: هو بالمدينة، واستبشروا بهما، وفرحوا، وقال بعضهم لبعض: ابشروا فقد نصب له كسرى ملك الملوك كفيتم الرجل!
فخرجا حتى قدما على رسول الله ﷺ، فكلمه بابويه فقال: إن شاهنشاه ملك الملوك كسرى قد كتب إلى الملك باذان يأمره أن يبعث إليك من يأتيه بك، وقد بعثني إليك لتنطلق معي، فإن فعلت كتب فيك إلى ملك الملوك ينفعك، ويكفه عنك، وإن أبيت فهو من قد علمت، فهو مهلكك، ومهلك قومك، ومخرب بلادك.
ودخلا على رسول الله ﷺ، وقد حلقا لحاهما، وأعفيا شواربهما، فكره النظر إليهما، ثم أقبل عليهما، فقال:(ويلكما من أمركما بهذا؟) قالا: أمرنا بهذا ربنا؛ يعنيان كسرى، فقال رسول الله ﷺ:(ولكن ربي أمرني بإعفاء لحيتي، وقص شاربي)، ثم قال:(ارجعا حتى تأتياني غدًا).
قال: وأتى رسول الله ﷺ الخبر من السماء بأن الله قد سلط على كسرى ابنه شيرويه فقتله، في شهر كذا وكذا في ليلة كذا وكذا من الليل سلط عليه ابنه شيروه فقتله، قال: فدعاهما فأخبرهما فقالا: هل تدري ما تقول؟ إنا قد نقمنا عليك ما هو أيسر من هذا، فنكتب عنك بهذا، ونخبر الملك؟ قال: (نعم أخبراه ذلك عني وقولا له: إن ديني وسلطاني سيبلغ ما بلغ ملك كسرى، وينتهي إلى منتهى الخف والحافر، وقولا له: إن أسلمت أعطيتك ما تحت يديك، وملكتك على قومك من الأبناء".
ثم أعطى خرخسرة منطقة فيها ذهب وفضة كان أهداها له بعض الملوك. فخرجا من عنده حتى قدما على باذان، فأخبراه الخبر، فقال: والله ما هذا بكلام ملك، وإني لأرى الرجل نبيًّا كما يقول، وليكونن ما قد قال، فلئن كان هذا حقًّا فهو نبي مرسل، وإن لم يكن فسنرى فيه رأينا، فلم ينشب باذان أن قدم عليه كتاب شيرويه: "أما بعد فإني قد قتلت كسرى، ولم أقتله إلا غضبًا لفارس لما كان استحل من قتل أشرافهم وتجميرهم في ثغورهم، فإذا جاءك كتابي هذا فخد لي الطاعة من قبلك، وانطلق إلى الرجل الذي كان كسرى قد كتب فيه فلا تهجه حتى يأتيك أمري فيه".