للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقام طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني. والله! ما قام رجل من المهاجرين غيره.

قال: فكان كعب لا ينساها لطلحة.

قال كعب: فلما سلمت على رسول الله قال: وهو يبرق وجهه من السرور، ويقول: (أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك) قال: قلت: أمن عندك؟ يا رسول الله! أم من عند الله؟ فقال: (لا بل من عند الله) وكان رسول الله إذا استنار وجهه، كان وجهه قطعة قمر. قال: وكنا نعرف ذلك.

قال فلما جلست بين يديه قلت: يا رسول الله! إن من توبتي أن أنخلع (١) من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله فقال رسول الله : (أمسك بعض مالك، فهو خير لك) قال: فقلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر. قال، وقلت: يا رسول الله! إن الله إنما أنجاني بالصدق، وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقًا ما بقيت. قال فوالله! ما علمت أن أحدًا من المسلمين أبلاه (٢) الله في صدق الحديث، منذ ذكرت ذلك لرسول الله إلى يومي هذا، أحسن مما أبلاني الله به. والله ما تعمدت كذبة منذ قلت لرسول الله إلى يومي هذا، لأني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي.

قال: فأنزل الله ﷿: ﴿لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١١٧) وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ﴾ (٣) حتى بلغ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ (٤).

قال كعب: والله ما أنعم الله علي من نعمة قط، بعد إذ هداني للإسلام، أعظم في نفسي، من صدقي رسول الله أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا، إن الله قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي، شر ما قال لأحد،


(١) أنخلع من مالي: أتصدق.
(٢) أبلاه الله: أنعم عليه.
(٣) سورة التوبة: ١١٧، ١١٨.
(٤) سورة التوبة: ١١٩.

<<  <   >  >>