للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لكنه في حق الأنصار خاصة فرض عين، لأنهم بايعوا على ذلك ومصداق ذلك قولهم وهم يحفرون الخندق:

نحن الذين بايعوا محمدًا … على الجهاد ما بقينا أبدًا

فكان تخلفهم عن هذه الغزوة كبيرة، لأنها كالنكث لبيعتهم، كذا قال ابن بطال. قال السهيلي: ولا أعرف له وجهًا غير الذي قال.

قلت: وقد ذكرت وجهًا غير الذي ذكره ولعله أقعد، ويؤيده قوله تعالى ﴿مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ﴾ الآية. وعند الشافعية وجه أن الجهاد كان فرض عين في زمن النبي ، فعلى هذا فيتوجه العتاب على من تخلف قطعًا، وفيها أن العاجز عن الخروج بنفسه أو بماله لا لوم عليه، واستخلاف من يقوم مقام الإِمام على أهله والضعفة.

وفيها ترك فتل المنافقين، ويستنبط منه ترك قتل الزنديق إذا أظهر التوبة.

وأجاب من أجازه بأن الترك كان في زمن النبي لمصلحة التأليف على الإِسلام، وفيها عظم أمر المعصية، وقد نبه الحسن البصري على ذلك فيما أخرجه ابن أبي حاتم عنه قال: يا سبحان الله ما أكل هؤلاء الثلاثة مالًا حراماَ، ولا سفكوا دمًا حرامًا ولا أفسدوا في الأرض، أصابهم ما سمعتم وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، فكيف بمن يواقع الفواحش والكبائر).

وفيها أن القوي في الدين يؤاخذ بأشد مما يؤاخذ الضعيف في الدين، وجواز إخبار المرء عن تقصيره، وتفريطه، وعن سبب ذلك وما آل إليه أمره تحذيرًا ويضمه لغيره، وجواز مدح المرء بما فيه من الخير إذا أمن الفتنة، وتسلية نفسه بما لم يحصل له بما وقع لنظيره، وفضل أهل بدر والعقبة، والحلف للتأكيد من غير استحلاف، والتورية عن المقصد، ورد الغيبة. وجواز ترك وطء الزوجة مدة.

وفيه أن المرء إذا لاحت له فرصة في الطاعة فحقه أن يبادر إليها، ولا يسوف بها لئلا يحرمها كما قال تعالى ﴿اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾ ومثله قوله تعالى: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ ونسأل الله تعالى أن يلهمنا المبادرة إلى طاعته، وأن لا يسلبنا ما خولنا من نعمته.

<<  <   >  >>