(و) يكون الصلح (بيعًا في حق مدَّع) فله رد المصالح به عما ادعاه بعيب يجده، لأنه أخذه على أنه عوض ما ادعاه، وتثبت في مشفوع الشفعة، لأنه أخذه عوضًا عما ادعاه، كما لو اشتراه به.
(ومن علم كَذِبَ نفسه) من مدع ومدعى عليه (فالصلح باطل في حقه) أما المدعي؛ فلأن الصلح مبني على دعواه الباطلة، وأما المدعى عليه فلأنه مبني على جحده حق المدعي، ليأكل حقه بالباطل، وما آخذه مدع عالم كذب نفسه مما صولح به، أو أخذه مدعى عليه مما انتقصه من الحق بجحده، فهو حرام، لأنه أكل مال الغير بالباطل، وإن صالح المنكر بشيء، ثم أقام مدع بينة أن المنكر أقر قبل الصلح بالملك، لم تسمع، ولو شهدت بأصل الملك، لم ينقض الصلح.
ومن قال لآخر: صالحني عن الملك الذي تدعيه، لم يكن مقرًّا به، لاحتمال إرادة صيانة نفسه عن التبذل، أو حضور مجلس الحكم بذلك.
وإن صالح أجنبي عن منكر لدَين بإذنه أو بدونه، صح؛ لجواز قضائه عن غيره بإذنه وبغير إذنه، لفعل علي وأبي قتادة -رضي اللَّه عنهما- وأقرهما عليه -صلى اللَّه عليه وسلم- (١)، أو صالح عن منكر لعين بإذنه، أو بدونه، صح، ولو لم يقل: إنه وكله؛ لأنه افتداء للمنكر من الخصومة، وإبراء له من الدعوي، ولا يرجع بشيء مما صالح به عن المنكر إن دفع بدون إذنه في الصلح أو الدفع، لأنه أدى عنه ما لا يلزمه، فكان متبرعًا، كما لو تصدق عنه، فإن أذن له في الصلح، أو في الأداء عنه، رجع عليه إن نواه.
(١) حديث علي أخرجه الدارقطني في البيوع (٣/ ٧٨، ٧٩)، والبيهقي، كتاب الضمان، باب وجوب الحق باالضمان (٦/ ٧٣) وضعفه.: حديث أبي قتادة أخرجه البخاري في الحوالة باب إذا أحال دين الميت على رجل جاز، وفي الكفالة باب من تكفل ص ميت دينًا، فليس له أن يرجع (٣/ ٥٥، ٥٧) وغيره.