للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: ولعل المراد بعد إعلامه بذلك إن كان لا يعلمه لا يغره.

وهي عقد جائز من الطرفين، فإن أذن ربها للمدفوع إليه في التصرف ففعل صارت عارية مضمونة كالرهن إذا أذن ربه للمرتهن في استعماله.

(ويلزم) الوديع (حفظها) أي الوديعة (في حرز مثلها) عرفًا، لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} (١)، ولا يمكن أداؤها بدون حفظها (وإن عينه) أي الحرز (ربها) أي: الوديعة، بأن قال احفظها بهذا البيت. (فأحرز) ها (بدونه) أي دون المعهين رتبة، ضمن، لمخالفته، وإن أحرزها بمثله، أو فوقه، كما لو أودعه خاتمًا، وقال: البسه في خنصرك فلبسه في بنصره (٢)، ولو لغير حاجة، فلا يضمن الوديعة إن تلفت، لأن تعيين الحرز يقتضي الإذن في مثله، وإن نهاه عن إخراجها، فأخرجها، لغشيان شيء الغالب منه الهلاك، كحريق، ونهب، فتلفت، لم يضمن، وإن تركها إذن، فتلفت، ضمن لتفريطه، ويحرم، أو قال: لا تخرجها، فإن أخرجها لغير خوف، فتلفت، ضمن، وإن خفت عليها، فحصل خوف، وأخرجها، أو لا، فتلفت، لم يضمنها (أو تعدى) وديع (أو فرط) أي قصر في حفظها، ضمنها، لأن المتعدي متلف لمال غيره، فيضمنه، كما لو أتلفه من غير إيداع، والمفرط متسبب بترك ما وجب عليه من حفظها.

(أو قطع) وديع (علف دابة عنها) أو سقيها (بغير قول) من مالك: لا تعللها، أو لا تسقها، حتى ماتت (ضمنـ) ـها، لأن عللها وسقيها من تمام الحفظ الذي استلزمه بالاستيداع، ولا يضمن إن نهاه مالك عن علفها، وسقيها، فتركه، حتى ماتت، كما لو أمره بقتلها فقتلها، ويحرم ترك علفها، وسقيها مطلقًا، لحرمتها في نفسها، فيجب إحياؤها، لحق اللَّه تعالى.


(١) سورة النساء، الآية: ٥٨.
(٢) الخنصر: الإصبع الصغرى وقد يطلق على الوسطى.
والبنصر: الإصبع التي بين الوسطى والخِنْصر. "تاج العروس" (١٠/ ٢٥٢) (١١/ ٢٢٩).