فاستعمل التعليل هنا باللام ولم يستعمله بـ (كي)، وذلك أنه لو قال (أفترى على الله كذبا كي يضل الناس) كان المعنى أنه افترى الكذب لهذا الغرض.
ونحو هذا أن تقول (سعى ليفسد في الأرض من دون أن يعلم) لأنه بـ (كي) يكون المعنى إن غرض السعي الذي سعاه هو الإفساد، فكيف يصح أن يقال: من دون أن يعلم؟
ويجوز ذلك في اللام لأنها للغرض عموما.
٣ - وقريب من ذا أيضا قوله تعالى:{وليعلم الله الذين أمنوا}[آل عمران: ١٤٠]. وقوله:{وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول}[البقرة: ١٤٣]، ولا شك أن الله يعلم ذلك ابتداء، والمقصود هنا العلم الذي يتعلق به الثواب والعقاب، وليس مجرد العلم، فجعل التعليل باللام ولم يجعله - بـ (كي) ولو قال (كي نعلم) لكان المقصود العلم لذاته، ومعنى ذلك أن الأمر مجهول له سبحانه، ولم يأت نحو هذا التعبير بـ (كي) في القرآن الكريم.
٤ - والظاهر من الاستعمال القرآني أن (كي) تستعمل للغرض المؤكد، والمطلوب الأول، يدل على ذلك قوله تعالى:{فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق}[القصص: ١٣]، فقد جعل التعليل الأول بـ (كي)(كي تقر عينها) والثاني باللام (ولتعلم أن وعد الله حق). والأول هو المطلوب الأول، والمقصود الذي تلح عليه الأم بدليل اقتصاره عليه في آية طه، قال تعالى:{فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن}[طه: ٤٠].
فالمطلوب الأول للأم هو رد ابنها إليها في الحال، أما جعله نبيا مرسلا، وهو ما يشير إليه قوله تعالى:{ولتعلم أن وعد الله حق}[القصص: ١٣]، فهو غرض بعيد، إذ هي محترفة لرد ابنها الرضيع إليها.
وهذا غرض كل أم سلب منها ابنها، أعني أن يعاد إليها أولا، سواء كانت الأم مؤمنة،