ونحوه قوله تعالى:{إن المتقين في جنات وعيون ادخلوها بسلام آمنين}[الحجر: ٤٥ - ٤٦]، فقوله (ادخلوها) كان بعد دخلوهم الجنة، يدل على ذلك قوله {إن المتقين في جنات وعيون}.
ونحو ذلك قوله تعالى:{ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر فذوقوا عذابي ونذر}[القمر: ٣٨ - ٣٩]، فقوله:(فذوقوا عذابي ونذر كان بعد تصبيحهم العذاب وذوقه.
وهذا له نظائر في الكلام، فقد تقول لشخص قتل بسبب فعلة سوء فعلها: (ذق عاقبة ما فعلت) وتقول: (اشرب من الكأس التي جرعتها لغيرك).
وهذا كله أمر واقع في الزمن الماضي. ومن ذلك قول المنصور بعد ما قتل أبا مسلم.
اشرب بكأس كنت تسقي بها ... أمر في الحلق من العلقم
زعمت أن الدين لا يقتضي ... كذبت فاستوف أبا مجرم
ومن دلالة فعل الأمر على المضي قوله صلى الله عليه وسلم لشخص رمي في الحج بعد الذبح (ارم ولا حرج) فليس القصد امره بالمرمي في المستقبل، لأن الرمي قد حصل في الماضي وإنما المعنى هو الموافقة على ما فعل، ونحوه قوله صلى الله عليه وسلم لرجل قال له: رميت بعدها أمسيت، (افعل ولا حرج) فهذا من باب الاقرار على ما حصل، والموافقة عليه، وليس من باب طلب القيام بالفعل مرة أخرى، فقد دل فعل الأمر على المضي كما هو ظاهر.
ونحو هذا أن يقول لك شخص: إني هجوت فلانًا وسببته.
فتول له: اهجه وسبه، موافقا على ما فعل، وليس القصد تكرار الهجاء والسبب، ومثله قولك لمن شرب دواء أو شرابا:(اشرب بالهناء والشفاء) وهو قد شربه، فالفعل دل ههنا على المضي وليس القصد الأمر بالشرب.