يعرشون} [النحل: ٦٨]، وقوله:{فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى كلوا وارعوا أنعامكم}[طه: ٥٣ - ٥٤]، فهذا الأمر كله مطلوب استمراره والعمل به على وجه الدوام.
وقد يكون الأمر مستمرًا إلى أجل، أو مشروطًا بشرط، وذلك نحو قوله تعالى:{فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم}[التوبة: ٤]، وقوله:{فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم}[التوبة: ٧]، فالاستقامة لهم مشروطة باستقامتهم هم، ونحو قوله صلى الله عليه وسلم:" اسمعوا وأطيعوا ولو استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة ما أقام فيكم كتاب الله" فالسمع والطاعة مشروطان بإقامة كتاب الله.
والأمر المستمر له صورتان:
أ - الأمر باستمرار ما هو حاصل، وذاك نحو قوله تعالى:{يأيها النبي اتق الله}[الأحزاب: ١]، فالمطلوب هو الاستمرار على التقوى، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم متقٍ الله قبل نزول الآية. ونحو قوله تعالى:{يأيها الذين أمنوا بالله ورسوله}[النساء: ١٣٦]، فقد طلب منهم الاستمرار والثبات على الإيمان لا أن يحدثوا إيمانا جديدًا لم يكن في قلوبهم، فإنهم مؤمنون قبل نزول هذه الآية، ألا ترى أنه خاطبهم بقوله (يا أيها الذين آمنوا)؟ ونحوه قوله تعالى:{حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى}[البقرة: ٢٣٨]، فإنهم مقيمون للصلاة محافظون عليها قبل نزول هذه الآية، ومثله قوله تعالى:{فاستقم كما أمرت ومن تاب معك}[هود: ١١٢]، وقوله:{فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم}[الأحزاب: ٤٣]، وقوله:{يا أيها الذين أمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم}[البقرة: ٧٢]، فقد طلب منهم الاستمرار على اختيار الطيبات من الرزق، فإنهم ولا شك كانوا يأكلون مما رزقهم الله قبل نزول هذه الآيةن وإلا فمن أي شيء كانوا يأكلون؟
فهذا كله من باب الأمر بالاستمرار على ما هو حاصل وطلب الثبات والمداومة عليه.
وقد يكون الأمر تهديدا لمن كان على حالة غير مرضية، وذلك نحو قوله تعالى:{ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون}[الحجر: ٣]، وقوله:{فذرهم في غمرتهم حتى حين}[المؤمنون: ٥٤]، فيقول له: اترك هؤلاء مستمرين على ما هم عليه فسوف يرون جزاءهم.