ب - الأمر بفعل لم يكن حاصلا وطلب الاستمرار عليه، وذلك نحو قولك:(حافظ على ما سأعطيك ولاتفرط فيه أبدًا)، ونحو قولك (اكتم ما سأخبرك به ولا تخبر به أحدا) قال تعالى: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}[البقرة: ١٢٥]، فقد طلب الله من المسلمين أن يتخذوا من مقام إبراهيم مصلى، وليس ذلك موقوتا بزمن، بل الأمر مستمر لا ينقطع، ونحوه قوله:{فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره}[البقرة: ١٤٤]، وهذا الأمر مستمر من حيث الأمر به إلى قيام الساعة، ونحو قوله:{يأيها الذين أمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين}[البقرة: ٢٧٨]، فقوله:{وذروا ما بقي من الربا} أمر بالانتهاء عن الربا بصورة دائمة، ونحوه قوله:{إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه}[المائدة: ٩٠]، وقوله:{قال أنظرني إلى يوم يبعثون}[الأعراف: ١٤]، وقوله:{يآيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر}[المدثر: ١ - ٥].
فقد أمره بالإنذار على وجه الدوام.
فكل ذلك مما يفيد طلب الفعل في المستقبل، ثم الاستمرار والمداومة عليه.
ثم إن الأمر المستمر له صورتان تعبيريتان شائعتان:
أحدهما: أن يؤمر بالفعل نفسه، نحو ما مر من قوله تعالى:{وصاحبهما في الدنيا معروفا} وقوله: {قم فأنذر}.
والأخرى: أن يؤتى بأمر (كان) ويؤتى بالخبر اسما للدلالة على طلبه الانصاف بالحدث على وجه الثبوت، وذلك نحو قولنا (كن حافظًا للعهد) ونحو قوله تعالى: {كونوا قوامين بالقسط شهداء لله} فالفرق بين قولك (احفظ العهد) و (كن حافظا للعهد) هو ما مر من الفرق بين الاسم والفعل من أن الفعل يفيد الحدوث والتجدد والاسم يفيد الثبوت، فمعنى (كن حافظا للعهد) لتكن هذه صفتك الثابتة، واظنك ترى الفرق واضحا بين قولنا (اطلع) و (كن مطلعا) و (تعلم) و (كن متعلما) وقد مر في مثل هذا ما فيه الكفاية.