والقياس يجيز أن يكون خبر أمر (كان) فعلا مضارعًا، نحو (كونوا تحافظون عل العهد) و (كونوا تقولون الحق) وهو نوع من أنواع الأمر المستمر، غير أني لم أحفظ شاهدًا عليه.
وقد ورد خبر النهي فعلا مضارعًا، والنهي مقابل للأمر، وذلك نحو قول المغيرة ابن جبناء:
خذ من أخيك العفو واغفر ذنوبه ... ولا تكفي كل الأمور تعاتبه
فإذا جاز وقوع خبر النهي فعلا مضارعا جاز وقوع خبر الأمر مضارعًا أيضا.
وأما الأخبار عن أمر (كان) بأمر، فقد منعه النحاة وشذذوا ما ورد من نحو قوله:
وكوني بالمكار ذكريني
فقد ذكروا أن خبر الأفعال الناقصة لا يكون جملة طلبية كما أسلفنا.
٥ - وربما كان فعل الأمر مطلقا غير مقيد بزمنن لكونه دالا على الحقيقة أو لكونه دالا على التوجيه والحكم أو لغير ذاك، وذلك كقوله:
كن ابن من شئت واكتسب أدبا ... يغنيك محموده عن النسب
فهو لا يأمرك بأن تكون ابن من شئت على وجه الحقيقة، فليس بمقدورك ذاك وإنما القصد أن يأمرك باكتساب الأدب ولا يهم بعد ذلك أن تكون ابن من ممن خلق الله. فقوله (كن ابن من شئت) لا يدل على زمن ما وإنما هو ذكر لحقيقة من حقائق الحياة، وهي أن الأدب يغني عن النسب، ونحوه قوله (تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة) فهذا لا يقصد به التعرف إلى الله والالتجاء إليه في وقت دون وقت، وإنما هو من باب التوجيه للالتجاء إليه في كل وقت، إذ من المعلوم أن أغلب الناس تبطرهم الراحة وينسيهم الرخاء، فهم لا يلتجئون إلى الله إلا في وقت الشدة والضيق، ونزول المكروه، فيقول لهم إذا أردتم ان يعينكم الله ويخلصكم مما تقعون فيه من محن وكروب، فالتجئوا إليه واعرفوا له حقه في كل وقت.