للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما الملاحظة الثانية، فإنه لم يحص مواضع ورود الفعل الماضي والمضارع مع (إذا) حتى يتبين صدق قول النحاة أو عدمه، فإنهم قالوا إن (إذا) يستعمل معها المضارع أكثر من (إنْ).

وملاحظة النحاة هذه صحيحة، فقد وردت (إذا) في القرآن الكريم - شرطية وظرفية - في ٣٦٢ اثنين وستين وثلاثمائة موضع، منها ثمانية عشر موضعا فقط، وردت بالفعل المضارع، والبقية وردت بالفعل الماضي، مما يؤيد ملاحظة النحاة.

ولعله يدور في خلدك أن هذا يخالف ما ذكرناه في بحث (فعل الشرط)، وهو إنه إذا كان الشرط وقع فعلا ماضيا، فإنه قد يفيد افتراض حصول الحدث مرة، أو وقوعه جملة، في حين أن المضارع قد يفيد افتراض تكرر الحدث، أو يفيد تطاول الحدث.

والحق أنه لا تناقض فيما ذهبنا إليه هنا، وهاك، فإن الأمر الذي ذكرناه هناك ينطبق هنا.

فمثلا قوله تعالى: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} [البقرة: ٢٣٠]، فقد ذكرنا فيه أنه جاء بالفعل الماضي، لأن الطلاق لا يتكرر كثيرا كسائر الأعمال اليومية، أو لأن معناه: إذا حصل الطلاق، أي تم.

وعندما جاء بـ (إذا) فقال: {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن} [البقرة: ٢٣١]، فقد جاء بها لأن حالات الطلاق الأخيرة أكثر، والفعلان ماضيان.

وعندما قال: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية} [البقرة: ١٨٠]، فإن الحدثين لا يتكرران، لا حضور الموت، ولا ترك الميراث، ولكن حضور الموت أمر واقع ولابد، فجاء فيه بـ (إذا) بخلاف ترك المال، فإنه أقل وقوعا، فجاء فيه بـ (إنْ) والفعلان ماضيان.

وقوله: {وإن تعجب فعجب قولهم أءذا كنا ترابا} [الرعد: ٥]، فجاء بـ (إنْ) مع الفعل المضارع (تعجب)، لأن العجب يتكرر في الحياة، أو لأنه حدث لم ينقطع بعد،

<<  <  ج: ص:  >  >>