وهذا في بني إسرائيل بعد ما عبدوا عجل الذهب، واتخذوه إلها لهم، وهو كفر صريح وضلال مبين، ولذلك عند توبتهم أكدوا قولهم باللام الموطئة، زيادة على توكيد الجواب:{لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين}.
وأما الآية الثانية التي هي (وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) فهي على لسان آدم وزوجه، بعد ما أكلا من الشجرة التي نهاهما ربهما عنها.
وهذه المعصية أقل من معصية بني إسرائيل، فإن معصية قوم موسى كفر، لأنها عبادة لغير الله، ولم يفعل مثل ذلك آدم، بل هو مقر بربوبية الله، ومقر بعبوديته لربه، وإنما هي لحظة ضعف أدركته، كما تدرك الكثير من الناس من غير أن تخرجهم عن دينهم، ثم يتوبون عنها. ألم ترى كيف وصف بني إسرائيل بالضلال فقال:(ورأو أنهم قد ضلوا) ولم يصف آدم بذلك.
فلما كانت المعصية أقل، حذف اللام الموطئة التي تفيد التوكيد، فالأولى آكد لأن المعصية أكبر، فالتوبة وطلب المغفرة يكونان على قدر المعصية.
وأما الآية الثالثة، وهي قوله تعالى:{وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين} فهي على لسان نوح عليه السلام، وذلك أنه سأل ربه أن ينجي ابنه من الغرق، لأن الله وعده ان ينجي معه أهله فقال:{رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق} فقال له الله: {إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسئلن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين}[هود: ٤٦].
فطلب نوح من ربه بالمغفرة، والعفو لسؤاله هذا، فقال:{قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم، وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين} فهذا ليس بمعصية كمعصية آدم، وإنما فهم نوح أن ابنه يدخل مع أهله الناجين، فبين له الله أنه ليس من أهله لأنه كافر، فطلب من ربه المغفرة لما سأل، ولذلك لم يأت الكلام مؤكدا، فأنت ترى أن التوكيد يتناسب هو وحجم المعصية، فلما لم يكن سؤال نوح معصية، لم يؤكد ترى أن التوكيد يتناسب هو وحجم المعصية، فلما لم يكن سؤال نوح معصية، لم يؤكد كلامه، ولما كان فعل آدم معصية لربه أكده بالنون، ولما كان فعل بني إسرائيل كفرًا