للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قالوا وقد يأتي اسم التفضيل لغير قصد المفاضلة، وذلك نحو قوله تعالى: {وهو الذي يبدؤا الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه} [الروم: ٢٧]، " فإنما تأويله وهو عليه هين لأنه لا يقال: شيء أهون عليه من شيء" (١).

وأرى أن في هذا مفاضلة أيضا، وذلك لأن الإعادة أسهل من الابتداء، بالنسبة إلى عقولنا، وأن لم يكن شيء أهون من شيء عليه سبحانه غير أن الكلام جاء على سبيل المحاجة فإنهم كانوا يستبعدون البعث حتى قال قائلهم: {من يحي العظام وهي رميم} [يس: ٧٨]، فقال لهم إن الإعادة أسهل من البدء، فهو الذي بدأ الخلق وإعادته أهون وأيسر في حكم العقل، فلماذا تستبعدون البعث بعد الموت؟

قالوا وقد يقصد باسم التفضيل " تجاوز صاحبه وتباعده عن الغير في الفعل، لا بمعنى تفضيله بالنسبة إليه بعد المشاركة في أصل الفعل، بل بمعنى أن صاحبه متباعد في أصل الفعل متزايد إلى كماله فيه على وجه الاختصار فيحصل كمال التفضيل (٢).

وهذا الكلام فيه حق فإن اسم التفضيل قد يستعمل لا لتفضيل شيء على شيء آخر معين، بل قد يراد به مجرد الزيادة في أصل الوصف، وذلك كقوله تعالى: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده} [الأنعام: ١٥٢]، فليس المقصود هنا التفضيل على شيء معين، بل المقصود أن يقربوا مال اليتيم بمزيد الحسن، ومثله قوله تعالى: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن} [الإسراء: ٥٣]، وقوله: {ادفع بالتي هي أحسن السيئة} [المؤمنون: ٩٦]، وقوله: {وجادلهم بالتي هي أحسن} [النحل: ١٢٥]، فإن المراد من كل ذلك الزيادة في الحسن.

ولا يمتنع تقدير مفضل عليه، كأن تقول (وجادلهم بالتي هي أحسن من غيرها) ونحو ذلك، غير أن ما ذكرناه أظهر وأوضح، والله أعلم.


(١) المقتضب ٣/ ٢٤٥
(٢) الكليات ٣٩

<<  <  ج: ص:  >  >>