{وكان الله غفورا رحيما}، ومنه قوله تعالى {كنتم خير أمة}، كأنه قيل: وجدتم خير أمة" (١).
وجاء في (البرهان): "وقد اختلف النحاة وغيرهم في أنها تدل على الانقطاع على مذاهب:
أحدها: أنها تفيد الانقطاع لأنه فعل يشعر بالتجديد.
والثاني: لا تفيده بل تقتضي الدوام والاستمرار .. وقال الراغب في قوله تعالى {وكان الشيطان لربه كفورا}[الإسراء: ٢٧]، نبه بقوله (كان) على أنه لم يزل منذ أوجد منطويا على الكفر.
والثالث: أنه عبارة عن وجود الشيء في زمان ماض على سبيل الإبهام، وليس فيه دليل عدم سابق، ولا على انقطاع طاريء، ومنه قوله تعالى {وكان الله غفورا رحيما} قاله الزمخشري في قوله تعالى {كنتم خير أمة أخرجت للناس} ..
والصواب من هذه المقالات مقالة الزمخشري، وأنها تفيد اقتران معنى الجملة التي تليها بالزمن الماضي لا غير ولا دالة لها في نفسها على انقطاع ذلك المعنى، ولا بقائه، بل إن أفاد الكلام شيئا من ذلك كان لدليل آخر ..
فحيث وقع الأخبار بـ (كان) عن صفة ذاتية (الله)، فالمراد الأخبار عن وجودها. وإنها لم تفارق ذاته، ولهذا يقررها بعضهم بما زال، فرارا مما يسبق إلى الوهم، إن كان يفيد انقطاع المخبر به عن الوجود لقولهم: دخل في خبر كان ..
وحيث وقع الإخبار بها عن صفة فعلية، فالمراد تارة الأخبار عن قدرته عليها في الأزل نحو كان الله خالقا ورازقا ومحييا ومميتا، وتارة تحقيق نسبته إلىه نحو {وكنا فاعلين}[الأنبياء: ٧٩]، وتارة ابتداء الفعل وانشاؤه نحو {وكنا نحن الوارثين}[القصص: ٥٨] ..