للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحيث أخبر بها عن صفات الآدميين، فالمراد التنبيه على أنها فيه عزيزة وطبيعة مركوزة في نفسه نحو {وكان الإنسان عجولا} [الإسراء: ١١]، {وإنه كان ظلومًا جهولا} [الأحزاب: ٧٢].

وحيث أخبر بها عن أفعالهم دلت على اقتران مضمون الجملة، بالزمان نحو {إنهم كانوا يسارعون في الخيرات} [الأنبياء: ٩٠] " (١).

والذي أراه في نحو قوله تعالى: {إن الله كان سميعًا بصيرًا} [النساء: ٥٨]، وقوله: {وكان الإنسان عجولا} [الإسراء: ١١]، أن معناه أنه هذا كونه، أي إن الله كونه عليم حكيم، أي هذا وجوده وحقيقته وصفته، وإن الإنسان كونه عجول منذ خلق، وكذلك قوله: {وكان الإنسان قتورًا} [الإسراء: ١٠٠]، أي هذا كونه الذي وجد عليه وخلقته التي خلق عليها، وكذلك قوله: {إن الباطل كان زهوقا} [الإسراء: ٨١]، أي هذا شأنه وكونه منذ القدم. ونحو ذلك قوله تعالى {إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا} [النساء: ١٠١] أي منذ القديم بخلاف قولنا (هم لكم عدو) فإنه ليس الوغول في القدم.

وقد يأتي لمعنى آخر وذلك إن قوله تعالى: {إن الله كان عليمًا حكيمًا} [النساء: ١١]، أي يعلم الأمر قبل وقوعه وهذا أكمل من العلم عند الوقوع أو بعده. قال تعالى: {وكنا بكل شيء عالمين} [الأنبياء: ٨١] وهذا فيما أرى أكمل من القول ونحن بكل شيء عالمون ذلك لأن هذا كان قبل وقوعه، فهو علم بما لم يقع بخلاف نحن عالمون فإنه ليس نصبا في ذلك، وهذا كما تقول لصاحبك في أمر كنت تنهاه عنه فلم ينته، فجاءه منه سوء لم يكن في حسبانه: "أنا كنت عارفا بهذه النتيجة منذ زمن طويل وكنت أعلمها علم اليقين" لتدل على مقدار علمك وصدق ضنك البعيد في الزمن.

قال تعالى {آباءكم وأبناءكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعًا فريضة من الله إن الله كان عليما حكيمًا} [النساء: ١١]، فجاء بـ (كان) ذلك أن الآية في مقام التشريع لأمر مجهول


(١) البرهان ٤/ ١٢١ - ١٢٥

<<  <  ج: ص:  >  >>