أما الآيات الثانية فهي في سياق المحاجة في المعاد، وهو مما لا يحتاج إلى مثل هذا التصبير.
وقال في سورة هود:{أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون}[هود: ١٧].
وقال في السجدة:{ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقائه وجعلناه هدي لبني إسرائيل وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا}[السجدة: ٢٣ - ٢٤].
فقال في الأولى:(فلا تك في مرية) وقال في الثانية (فلا تكن) وأنت ترى أن السياق مختلف في الآيتين، فالأولى تثبت للرسول بقوة ونهيه عن الريب والمرية، فقد بدأ الكلام بقوله أنه كان على بينه من ربه، ثم يتلوه شاهد منه، ثم قبله كتاب موسى وختمه بقوله: أنه الحق من ربك فناسب ذلك أن يقال (فلا تك في مرية منه) بخلاف الآية الأخرى فإنها ليس فيها مثل هذه الدواعي كما هو ظاهر.
٤ - وقد يكون الحذف للوغول في نفي حصول الشيء فإنك تحذف للتنبيه على أن فعل الوجود لم يتم فكيف بالشيء نفسه؟ وذلك نحو قوله تعالى:{إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين}[النحل: ١٢٠]، أي البتة. وقوله:{أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا}[مريم: ٦٧]، وقد تقول: ألم يرد قوله تعالى: {هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا}[الإنسان: ١]، فلم يحذف، فما الفرق بين الموضعين
ولو رجعت إلى السياق لتبين لك الفرق واضحًا بين المقامين، فالآية الأولى في مقام التذكير بقدرة الله تعالى قال تعالى:{ويقول الإنسان أءذا ما مت لسوف أخرج حيا أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا}[مريم: ٦٦ - ٦٧].