أكدها باللام، ولما كان الكلام في آيات الأعراف على عقوبات الدنيا، لم يؤكد الآخرة باللام بل أكد سرعة العقاب لأنه عاجلهم به في الدنيا فقال (إن ربك لسريع العقاب).
وكذلك آية النحل، فالسياق فيها يتحدث عن الدار الآخرة، قال تعالى:{ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول أين شركاءي الذين كنتم تشاقون فيهم قال الذين أوتوا العلم إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعلمون فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين، وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين جنات عدن يدخلونها تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاءون كذلك يجزي الله المتقين الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون}[النحل: ٢٧ - ٣٢].
فأنت ترى أن الكلام على الدار الآخرة فأكدها باللام بخلاف آية الأعراف، والذي يدل على أنها للتوكيد، أنها يتلقى بها القسم مثل أن، قال تعالى {فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما}[المائدة: ١٠٧].
وقال:{ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون}[آل عمران: ١٥٧].
وقال:{ولئن صبرتم لهو خير للصابرين}[النحل: ١٢٦].
وقد أطبق النحاة على أنها للتوكيد قال ابن يعيش:"اعلم أن هذه اللام أكثر اللامات تصرفا ومعناها التوكيد، وهو تحقيق معنى الجملة وإزالة الشك"(١). وعند الكوفيين أن هذه اللام هي لام القسم، وليس عندهم لام ابتداء فقولك (لمحمد قائم) إنما هو جواب قسم مقدر كأنك قلت: والله لمحمد قائم.
(١) ابن يعيش ٩/ ٢٥، ٨/ ٦٣، وانظر الرضي على الكافية ٢/ ٣٩٣، المغنى (١/ ٣٢٨)، الهمع ١/ ١٣٩، الأشموني ١/ ٢٧٩، التصريح ١/ ٢٢١