٤ - الذي يبدو لي أن الأصل في اللام، أن يؤتي بها في مواطن الرد والإنكار وفي مواطن الجواب، أو ما ينزل منزلة ذلك، كقوله تعالى على لسان أخوة يوسف {ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين}[يوسف: ٨]، منكرين على أبيهم هذا الأمر، بخلاف (إن) فإنها لعموم التوكيد. فإنك تأتي باللام إذا كنت رادا على المخاطب كلامه أو تصوره، أو منكرًا عليه وذلك كأن يقول قائل:(رأيت سعيدا أكرم الخلق) فيرد عليه آخر قائلا: (لمحمد أكرم منه). ويقول قائل:(إن خالدا سيهين إبراهيم) فتقول: (لإبراهيم أعز من ذلك) قال تعالى: {فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما}[المائدة: ١٠٧]، فهذا رد شهادة الشاهدين الأولين.
وقال:{وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر}[العنكبوت: ٤٥]، فأنت ترى إنه علل ذلك بقوله (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) ثم رد على من يتصور أن هذا هو كل المقصود بقوله (ولذكر الله أكبر).
ونحو ذلك قوله تعالى:{ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم}[البقرة: ٢٢١]، فإنه بعد أن نهى عن نكاح المشركات، قد يظن ظان أن جمال المرأة وما إلى ذلك مما يعجب الرجال سوى الإيمان، داع إلى تفضيلها فرد ذلك بقوله (ولأمة مؤمنة .. ) وكذلك بعد أن نهى عن أنكاح المشركين، قد يظن أن سمت الرجل ومكانته وغير ذلك مما هو مرغوب فيه سوى الإيمان، مما يدعو إلى تفضيله فرد هذا الظن بقوله:{ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم}.
والذي يدل على ذلك ويوضح الفرق بينهما أن كل ما ورد في القرآن الكريم من مبتدأ دخلت عليه لام الابتداء، أو القسم مما كان خبره مفردا، أعني ليس جملة، جيء بخبره اسم تفضيل ولم يرد غير ذلك وقد ورد ذلك في (٢٣)، ثلاثة وعشرين موطنا قال تعالى:{ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم}[البقرة: ٢٢١].