فأنت ترى إن أخوة يوسف قالوا لأخيهم (وإن كنا لخاطئين) بإن المخففة، وقالوا لأبيهم (إنا كنا خاطئين) بالثقيلة. وقد يتبادر إلى الذهن، إن هذا يدل على عكس ما ذهبنا إليه فإنهم مع من أساؤا إليه إساءة مباشرة جاؤا بالمخففة، ومع أبيهم جاؤا بالثقيلة، فكيف يدل هذا على صحة ما ذهبنا إليه؟
وللجواب عن ذلك نقول:
إن أخوة يوسف لما رأوا أباهم، وما حل به من جراء فعلتهم من الوهن واللوعة وحرقة الفؤاد وذهاب عينيه من الحزن، دعاهم ذلك إلى توكيد الاعتذار والاعتراف بالخطيئة بخلاف حالة أخيهم، فإن الله أكرمه بعدهم وبوأه مكانة عالية ومكن له في الأرض، وكأن فعلتهم تلك عادة عليه بالخير والرفعة بعكس ما جرت على أبيهم فهناك فرق بين الحالتين فكان الشعور بالخطيئة مع والدهم أكبر وأعظم فقالوا ما قالوا.
والذي يدل على ذلك السياق القرآني فإن يوسف دعا لهم بالمغفرة، من دون أن يسألوها منه قال {لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين}.
وأما أبوهم فلم يستغفر لهم من طلبهم الاستغفار منه، وإنما وعدهم بالاستغفار:{قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم} فوعدهم بالاستغفار في المستقبل ثم انظر كيف جاء بـ (سوف) لا بالسين، و (سوف) أبعد في الاستقبال من السين مما يدل على عمق الأثر في نفسه.
ومما يدل على ذلك أيضا قوله تعالى في سورة الأعراف:{وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون}[٦٥ - ٦٩].