وقال على لسانه أيضا:{وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين}[الزخرف: ٢٦ - ٢٧].
فمرة قال (إني) ومرة قال (إنني) وأنت ترى الفرق بين المقامين، فإن إبراهيم عليه السلام في آية الأنعام في مقام الحيرة والبحث عن الحقيقة لا يعرف ربه على وجه التحقيق فقد ظن ان الكوكب ربه، ثم القمر، ثم الشمس، ثم أعلن البراءة من كل ذلك.
أما في آية الزخرف فهو في مقام التبليغ فقد أصبح نبيا مرسلا من ربه، أعلن حربه على الشرك، وأعلن البراءة مما يعبد قومه فهناك فرق بين المقامين والبراءتين، ولذا جاء بالآية الأولى - بـ (إني) وفي الثانية بـ (إنني) لأنه في مقام أكثر توكيدًا.
ثم انظر الفرق بين التعبيرين فقد قال في الآية الأولى (بريء) وفي الثانية (براء) فإن البراءة في آية الزخرف أشد وقد جاء بها على صيغة المصدر، وهو المناسب لزيادة النون بخلاف الأولى فحصل التوكيد في آية الزخرف من جهتين:
زيادة النون والعدول إلى المصدر بخلاف آية الأنعام:
ونحو ذلك ما جاء في سورة طه قال تعالى:{فلما أتاها نودي يا موسى إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى وانا اخترتك فاستمع لما يوحى إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري}[طه: ١١ - ١٤].
فأنت ترى أنه مرة قال (إني) ومرة قال (إنني) بزيادة النون، والسياق يظهر الفرق بينهما فإن في الثانية زيادة توكيد لأنه في مقام إعلامه بالنبوة، وتكليفه بالرسالة وأنت ترى الفرق بين المقامين: المقام الأول (إني أنا ربك فاخلع نعليك) والثانية (إنني أنا الله لا إله إلا أنا فأعبدني) فاقتضى ذلك التفريق بين المقامين.
ونحو ذلك (إنا) و (أننا) قال تعالى {إنا ههنا قاعدون} وقال {قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا ربنا أو أن يطغى قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى}[طه: ٤٥ - ٤٦]. فمرة قال (إنا) ومرة قال (إننا) والفرق بين المقامين ظاهر، ففي آية طه كان الخوف شديدا من فرعون فقال (إننا) ولذا أجابهم بالتأكيد نفسه (لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى) بإثبات النون لتأكيد المعية ربطا للقلب ودفعا للخوف.