فأخبرهم أن القرح والأذى لم يصبهم وحدهم إنما أصاب أعداءهم أيضا وقدم العدو لأنه هو الذي يعني المسلمين ههنا، إذ ليس المهم القرح، وإنما المهم من أصاب، فقدم القوم لأن أصابه هؤلاء بأعينهم هو الذي يواسي المسلمين ويخفف عنهم الحزن.
ومن هذا الباب قوله تعالى:{ولو ترى إذ يتوفي الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق}[الأنفال: ٥٠]، قدم المفعول به (الذين كفروا) على الفاعل لأن السياق على الذين كفروا، وتغليظ عقوبة الكفر وبيان عاقبة الكافرين قال تعالى:{وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك}[الأنفال: ٣٠]، {إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله}[الأنفال: ٣٦]، {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله}[الأنفال: ٣٩]، {إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غز هؤلاء دينهم}[الأنفال: ٤٩]، {ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة}[الأنفال: ٥٠].
فإن المراد بيان حال هؤلاء عند الاحتضار، ولم يقدم الملائكة لأنه لا يتعلق غرض بذكرهم، فإن الملائكة يتوفي بني آدم جميعا، مؤمنهم وكافرهم قال تعالى:{قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم}[السجدة: ١١].
إن الغرض ههنا كما ذكرت، بيان احتضار الكافر وإنه ليس كاحتضار المؤمن، وإنه يلقى عذابا ومشقة في احتضاره، وإنه يبدأ صب العذاب عليه حين التوفي، فالمقصود هنا تشنيع حالة الكفر وبيان غلظ عقوبة الكافرين فقدم الذين كفروا، ولو قدم الملائكة في هذا الموطن لم يفد هذا المعنى.
وقد تقول: ألم يقدم الله تعالى المفعول به في قوله: {قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم}[السجدة: ١١]، وقوله:{توفته رسلنا}[الأنعام: ٦١]، والجواب، إن هذا من مواطن وجوب تقديم المفعول به، لأنه ضمير واجب الاتصال كما هو معلوم، ولا يصح تأخيره كما تقول: أكرمك محمد ولا تقول: أكرم محمدٌ إياك، وكلامنا فيما كان مجال للتصرف والاختيار.