٨ - أو للتوجيه والإرشاد كقوله تعالى:{فأما اليتيم فلا تقهر، وأما السائل فلا تنهر}[الضحى: ٩ - ١٠]، فهذا ليس من باب الحصر كما هو واضح، إذ المعنى على الحصر يكون أنه منهي عن قهر اليتيم دون غيره أي يباح له ان يقهر غير اليتيم، وأن ينهر غير السائل وهو غير مراد.
إلى غير ذلك من الاغراض التي تعلم من مواطن القول.
وهذا الأمر جار في نفسه فيما يتعدى إلى مفعولين، فقد ذكرنا في أول البحث أن الأصل أن يتقدم الفعل، فالفاعل ثم المفعول الأول الذي هو الفاعل في المعنى، ثم المفعول الثاني، نحو (منح سعيدا خالدا ارضا) ويقال هذا إذا كان المخاطب خالي الذهن لا يعلم شيئا عن الموضوع بجملته.
وقد يتقدم المفعول الثاني على الأول لغرض بلاغي يقتضيه المقام، نحو (منح سعيدا أرضا خالدا) إذا كان الاهتمام منصبا على الأرض لا على الأخذ، ونحوه قوله تعالى {وأورثنا بني إسرائيل الكتاب}[غافر: ٥٣].
وقوله:{ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا}[فاطر: ٣٢]، ففي الآية الأولى قدم بني (اسرائيل) وهو المفعول الأول على (الكتاب) وفي آية فاطر قدم الكتاب على الذين اصطفينا من عبادنا، ولذلك سبب واضح يتبين من سياق الآيتين، ففي آية فاطر الكلام جار على الكتاب، ولذلك قدمه قال تعالى:{إن الذين يتلون كتاب الله واقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور}[فاطر: ٢٩].
{والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه إن الله بعباده لخبير بصير}[فاطر: ٣١]{ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير}{فاطر: ٣٢}. فناسب تقديم الكتاب.