فقد يراد بالنيابة الدلالة على الكلية والجزئية نحو (فلا تميلوا كل الميل)[النساء: ١٢٩]، (ضربته بعض الضرب)، ويسير الضرب وشطر الضرب لأن المصدر لا يدل بنفسه على الكلية، والجزئية، لأن المقصود به الجنس، وهو يدل على القليل والكثير كالماء والخل، والتراب، والعسل فيؤتى بما يدل على الجزئية والكلية، ليفيد ذاك.
وقد يراد الدلالة على الآلة والعدد، ونحو ذلك.
إن أهم أغراض النيابة التوسع في المعنى، فالإتيان بنائب المصدر قد يوسع المعنى توسيعا لا يؤديه ذكر المصدر، وذلك كالمجيء بصفة المصدر بدلا منه، فإنك إذا حذفت المصدر وجئت بصفته فربما احتمل معنى جديدا، لم يكن ذكره المصدر يفيده، ولا يحتمله، وذلك نحو قوله تعالى:{واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشى والإبكار}[آل عمران: ٤١]، فهنا تحتمل كلمة (كثير) أن يراد بها الدلالة على المصدر، أي ذكرا كثيرا، ويحتمل أن يراد بها الدلالة على الوقت، أي زمنا كثيرا. فهذا تعبير يحتمل معنيين في آن واحد بخلاف ما لو ذكرت الموصوف، فإنه لا يدل إلا على معنى واحد. وقد يكون المعنيان مطلوبين، أي ذكرا كثيرا، زمنا كثيرا فتكسبهما بالحذف، فيكون الحذف قد أدى معنيين في آن واحد، وهذا توسع في التعبير وزيادة في المعنى.
ومثله قوله تعالى:{فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا}[التوبة: ٨٢]، فأنت ترى أنه إذا قال ضحكا قليلا وبكاء كثيرا كان نصا على الضحك والبكاء.
وإذا قال زمنا قليلا أو كثيرا كان نصا على الزمن، في حين أنه لما حذف الموصوف احتمل معنيين: المصدرية أي ضحكا قليلا، والزمن أي زمنا قليلا وقد يكون المعنيان مرادين في آن واحد فكسبهما من أيسر طيق وأوجز تعبير، فبدل أن يقول: فليضحكوا ضحكا قليلا وقتا قليلا، وليبكوا بكاء كثيرا وقتا كثيرا قال:{فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا} فأدى المعنيين معًا.